نختم بهذا الموقف إنه لـ سفيان الثوري مرة أخرى، يتقابل مع عابد الحرمين الفضيل بن عياض رحمهم الله جميعاً، عابدٌ مع عابد التقيا، فإذا بهما يتذاكران الله جل وعلا، فبكى هذا وبكى هذا فيقول سفيان من تأثره: إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلسٍ جلسناه.
أي: أرجو أن يكون عند الله من أعظم المجالس في الدنيا بركة، فقال له: الفضيل بن عياض: ترجو هذا؟ أما أنا فأخاف أن يكون هذا أعظم مجلسٍ جلسناه علينا شؤماً عند الله، فقال سفيان: ولم ذاك يا فضيل؟! لم تخاف من هذا المجلس الذي ذكرنا الله فيه فبكينا؟! فقال له الفضيل: ألست يا سفيان نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي، وتزينت لك به فعبدتني وعبدتك؟ أي: كل واحد أخذ يرائي الثاني، انظر لاتهامهم لأنفسهم! فأخذ سفيان يبكي حتى علا نحيبه، ثم قال: أحييتني أحياك الله، أحييتني أحياك الله.
قال بعضهم:
أيا من ليس لي منه مجيرُ بعفوك من عذابك أستجيرُ
أنا العبد المقر بكل ذنبٍ وأنت السيد الصمد الغفورُ
فإن عذبتني فبسوء فعلي وإن تغفر فأنت به جديرُ
أفر إليك منك وأين إلا يفر إليك منك المستجيرُ
وأحسن من هذا قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
لنرجع إلى الله جل وعلا، ولنجعل أولئك الرجال؛ الأنبياء والرسل، والصديقين والشهداء والصالحين، وأولئك الأسلاف، لنجعلهم قدوتنا، ولنتأسَّ بهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحشرنا وإياهم في جنة الفردوس، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.