أيها الإخوة: هذا اليوم يوم الأحد وغداً يوم الإثنين، سوف تُرفع الأعمال إلى الله، فيغفر الله عز وجل لكل عبدٍ لا يشرك بالله، إلا رجلين بينهما شحناء، رجل بينه وبين أخيه شحناء، وخصومة، وبغض لأجل دنيا، قال: إلا رجلين بينهما شحناء، فيقول الرب جل وعلا لملائكته: (أنظرا -أي: أخِّرا- هذين حتى يصطلحا) لا يغفر لهم الذنب حتى يصطلحا يدخل على الصحابة رجل، فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فإذا برجلٍ يدخل وعلى لحيته آثار الوضوء، ونعلاه تحت إبطيه، وهو رجل عادي حاله حال الصحابة، وفي اليوم الثاني قال: يدخل عليكم رجلٌ من أهل الجنة، فدخل نفس الرجل، وفي اليوم الثالث نفس الرجل، فبات أحد الصحابة عنده، وسأله بعد أيام وقال له: يا فلان! إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيك كذا وكذا، وما رأيتك كثير صلاة ولا صيام ولا عبادة قال: لم يكن إلا ما رأيت -قيامه مقتصد، عنده عبادة لكن ليست بالأمر الغريب على الصحابة- إلا أنني لا أبيت وفي قلبي على أحد من المسلمين شيئاً.
ابن عمر: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا تُطاق).
هل تستطيع أن تنام ولا تحمل في قلبك على أحدٍ من المسلمين شيئاً؟ جرب هذا الأمر.
هل تستطيع أن تكون كـ أبي ضمضم؟ من هو أبو ضمضم؟ رجل كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي.
-أي: كل من تكلم فيَّ فقد أحللته، وعفوت عنه، كل يوم في الصباح، يقول: يا رب كل من تكلم في فقد أبحته، وعفوت عنه هل تستطيع هذا؟ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
فأنصحك إذا في قلبك على أخيك، أو على صديقك، أو على جارك، أو على أحد أقربائك شيء، أو بينك وبينه خصومة (لا يحل لمؤمنٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) لتكن أنت
زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه وعن أبيه، هذا الرجل كان جالساً في مجلس علم، فدخل عليه رجل فسبه وشتمه، وما رد عليه رداً واحداً، ولو أراد لرد، ولقام أصحابه وتلاميذه يضربونه ويقتلونه، ولكنه لم يرض أن يرد لنفسه كلمة واحدة، أتعرف ماذا صنع؟ انتظر إلى الليل، فلما حل الليل ذهب إلى الرجل في بيته وطرق الباب وفتح الرجل الباب الآن ماذا يريد؟ هل يريد أن يدافع عن نفسه؟ أتعرف ماذا قال؟ قال بعد أن سلم: يا فلان! إن كان حقاً ما قلته فيَّ فغفر الله لي، وإن كان كذباً فغفر الله لك والسلام، وتركه وذهب، فجاء الرجل يتبعه فمسكه في الطريق وحضنه وأخذ يبكي وهو يقول: ادعُ الله أن يحللني، فدعا الله عز وجل له قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
لنكن -أيها الأخوة- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.