يقول الزهري رحمه الله: شهر رمضان شهر قرآن وإطعام طعام.
لا ثالث لهما، إما أن تقرأ القرآن أو تطعم المساكين، وكان السلف في ليالي رمضان يطعمون المساكين، والفقراء، والجياع، ويتقربون إلى الله بهذا {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:8 - 9] رمضان شهر إطعام الطعام.
أتعلم أن هناك من المسلمين من يمر عليه رمضان وغير رمضان ولا يفرق؛ لأنه لا يأكل شيئاً؟ هو صائمٌ طوال العام، إن حصل على وجبة واحدة في اليوم والليلة، فهنيئاً له في ذلك اليوم أسمعت بمسلمين يبحثون عن الطعام في القمامات؟! أسمعت بمسلمين تنظر الأم إلى رضيعها ليس في ثديها قطرة لبن ترضعه، ويموت بين يديها ولا تستطيع أن تفعل شيئاً؟! أسمعت بمسلمين الآن في هذا الزمن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ليس عندهم رطبات يسدون بها جوعهم؟! أسمعت بهذا يا من فرشت لك الولائم! ويا من غضبت إذا نقص شيءٌ من أصناف الطعام! ويا من تشتكي من التخمة ومن كثرة الطعام! ويا من ألهتك تلك الملذات والشهوات عن إخوانك المسلمين؟!
إنه شهر إطعام الطعام (من فطّر صائماً فله مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيئاً) {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].
لا تبخل يا عبد الله!
تذكر إخواناً لك في الأرض جوعى ومرضى لا يملكون شفاءً للشتاء، ولا غطاءً للصيف، ولا يملكون دواءً لمرضاهم، يموت الولد من مرض، وتموت الأم من جوع، ولا يستطيع أحدٌ أن يفعل شيئاً، وقد قرأت يوماً خبراً -إن كان صحيحاً، فإننا نعيش في زمن التعاسة- قرأت يوماً في إحدى البلاد الإسلامية أن أماً مع أولادها ما كانت تملك شيئاً، حتى جاعوا، وبحثوا عن طعام فلم يجدوا حتى ماتت الأم بين أيدي الأولاد، الأم ثم جاع الأولاد فلم يجدوا طعاماً؛ فما وجدوا إلا شيئاً من اللحم بقي على عظام أمهم، فأخذوا يقطعون بعض اللحم ويأكلونه ليسدوا به جوعهم قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:8 - 9] شهر رمضان يذكرك إذا جعت وإذا عطشت بالفقراء والمساكين كم ستصوم؟! اثنا عشر ساعة، ومن المسلمين من يصوم أربعاً وعشرين ساعة، بل يصوم يومين وثلاثة ولا يجد طعاماً يأكله، فإذا جعت تذكر إخوانك.