ألا تستحق هذه الجنة -أيها الأخ الكريم- ركعات آخر الليل؟ ألا تستحق هذه الجنة أن نقوم لصلاة الفجر؟
ألا تستحق منا هذه الجنة -أيتها النساء- أن نستتر لله ونعف أنفسنا لله؟ ألا تستحق هذه الجنة أن نتقي الله في السر والعلن؟
فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
وحي على روضاتها وخيامها وحي على عيش بها ليس يسئم
فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عن قليل ستندم
أفق قد دنى الوقت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تضرم
أخي الكريم: عمرو بن الجموح لما سمع بالجنة وأوصافها وكان أعرج، نودي للجهاد وقد عذره الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [النور:61] فقال لأبنائه: جهزوني للجهاد، الأمر فيه جنة عرضها السموات والأرض، قال: جهزوني، قالوا: يا أبانا قد عذرك الله، قال: جهزوني، قالوا: يا أبانا قد عذرك الله، قال: والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة، تمنعوني عن الجهاد! فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: دعوه! فدخل، فإذا به يقتل في سبيل الله، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لكأني أنظر إليه يمشي برجلين سليمتين في الجنة).
وهذا عبد الله بن غالب رآه مالك بن دينار في معركة من المعارك، وهو يقول: إني أرى ما ليس لي عليه صبر، يرى شيئاً ما رآه الناس، قال: إني أرى ما ليس لي عليه صبر، ثم قال لمن حوله: روحوا بنا إلى الجنة، روحوا بنا إلى الجنة، فكسر غمد سيفه، فلا زال يقاتل حتى قتل.
أسمعت بـ جعفر الطيار؟ جعفر بن أبي طالب، الذي هاجر بدينه، ثم جاء إلى المدينة فأمَّره النبي صلى الله عليه وسلم في مؤتة، فأخذ الراية بيده اليمنى فقطعت، ثم أخذ الراية بيده اليسرى فقطعت، ما ولى، وما أدبر، ولا هرب، ثم أخذ راية الإسلام بعضديه وضمها وثبتت الراية، فتكسرت الرماح على ظهره وصدره وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
ثم لفظ الشهادتين واستشهد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيته يطير بجناحين في الجنة).
لِمَ يفعلون كل هذا؟ لأنهم سمعوا قول الله: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.