لعلها العقبات يا عبد الله، لا أدري لعلها عقبات كانت في طريقك، خسرت بعض المال، أصبت بمصائب، استهزأ بك بعض الناس.
لعلك -يا عبد الله- ظننت يوماً من الأيام أن طريق الدعوة إلى الله مفروشة بالورود، وأن طريق الله والجهاد في سبيله سوف يأتيك بالمال، ولن تخسر فيه درهماً واحداً، فإذا بك تخسر الأموال، وتخسر السمعة، ويتكلم الناس عنك، ويستهزئون بك، فما تلبث إلا قليلاً فتترك الدعوة إلى الله وتركن إلى الدنيا.
أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يسحبون في الرمضاء، وعليهم الأحجار، ويجرون على الأشواك، ويلف على ظهورهم الحديد، بل تكوى ظهورهم وتشوى، والواحد منهم يقول: أحد أحد، أحد أحد.
يؤتى إلى أم أحدهم فتطعن في فرجها بالرمح، وينظر إلى أمه تزهق روحها، ويقول له عليه الصلاة والسلام: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) يقول ابن عباس: [ما يستطيع أحدهم أن يستوي جالساً من التعذيب والضرب في سبيل الله] لا يستطيع أن يجلس، حتى يمر الجُعْلُ عليه فيقال له: هذا إلهك من دون الله، فيقول مكرهاً: هذا إلهي من دون الله، وقد اطمأن قلبه بالإيمان.
يؤتى بأحدهم يراد به أن يقتل، فيقال له: أترضى أن يكون مكانك رسول الله وأنت آمن في أهلك وولدك؟ يقول: لا أرضى أن أكون في أهلي وولدي ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاك بشوكة.
أبو ذر يقوم في الناس ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فيضرب حتى يكون كتمثال من الدم، حتى يفكه بعضهم، فيقوم في اليوم الثاني، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فيضرب حتى يكون كتمثال الدم، فيقوم في اليوم الثالث، ويقول هكذا، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فيضرب حتى يكون كتمثال الدم، هكذا كان أصحاب رسول الله.
هل سمعت بماشطة بنت فرعون؟! هذه امرأة كانت خادمة لابنة فرعون، تمشط شعرها، وفي يوم من الأيام سقطت المشط من يدها، فأرادت أن تحمل المشط، فقالت: باسم الله، قالت ابنة فرعون: تقصدين أبي؟ قالت: بل ربي ورب أبيك الله رب العالمين.
الله أكبر! خادمةتنطق بهذه الكلمات، ماذا ينتظرها؟
قالت: سوف أخبر عنك أبي، قالت: أخبريه، فأخبرت أباها، فناداها فرعون؛ الذي كان يقتل الرجال ويستحيي النساء، وكان من المفسدين، نادى تلك المرأة الضعيفة، فقال لها: ماذا تقولين؟ ألك رب غيري؟ قالت: نعم.
ربي وربك الله رب العالمين، فأتى بأولادها، فأحرق أولادها واحداً تلو الآخر، فقالت وهي تنظر إلى أولادها، تغلي دماؤهم في الزيت الساخن، وتقطع اللحم عن العظم، فنظرت إليهم وقالت لفرعون: لي إليك حاجة، فظن أنها تقاعست، قال: وما هي تلك الحاجة؟ قالت: أسألك أن تجمع عظامي مع عظام أبنائي في ثوب وتدفنني معهم جميعاً، فقال فرعون: ذلك لك من الحق علينا، فسحبت حتى أراد فرعون أن يرميها في الزيت، وكانت تحمل رضيعها فكأنها تقاعست، فأنطق الله ذلك الغلام، وقال: يا أماه! يا أماه! اصبري فإنك على الحق! فرمت بنفسها ورضيعها في الزيت! فزهقت روحها، فشم رسول الله رائحتها ورائحة أبنائها في الإسراء والمعراج.