إنها قصة ذلك الغلام الذي تعلم السحر منذ الصغر عندما أجبره الملك على أن يتعلم السحر، وكان عندما يذهب إلى الساحر يمر بالطريق على راهب، وذلك الراهب كان يعبد الله جلَّ وعلا، وقيل: كان من قوم نصارى، وكان يأتي إلى هذا الراهب يسمع حديثه، ثم يذهب إلى الساحر، ثم يرجع إلى ذلك الراهب قبل أن يذهب لأهله، فكان أهله يضربونه على تأخيره، وكذلك الساحر لم تتأخر؟ وكان لا يخبر أحداً بمكثه عند الراهب، فقال له الراهب يوماً: إن سألك أهلك فقل لهم: أخرني الساحر، وإن سألك الساحر يوماً لِمَ تأخرت؟ فقل: أخرني أهلي، وإذا بالأيام والليالي تمر، فيزداد هذا الغلام علماً وفقهاً في الدين، وتعلقاً بالله رب العالمين، وإذا به يمر يوماً من الأيام على الطريق، فإذا بدابة قد أغلقت على الناس طريقهم، وحاولوا دفعها فلم يستطيعوا، وحاولوا قتلها فلم يقدروا عليها، فقال الغلام في نفسه: اليوم سأعرف أأمر الراهب على حق، أم أمر الساحر؟ فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحق من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، أو اصرف عن الناس ما هم فيه، فأخذ حجرة صغيرة في يده، وجاء إلى تلك الدابة فرماها بتلك الحجر الصغير، فإذا بها تموت وتنزاح عن طريق الناس.
إنها الكرامة الأولى على يد ذلك الصبي، ولما رجع إلى الراهب أخبره الخبر، فقال له: يا بني! إنك اليوم أعظم شأناً مني، وقد بلغت منزلة أعظم مني، وسوف تبتلى الله أكبر!
هل سمعت بحديث ورقة، عندما قال: ذلك الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك.
فقال محمد صلى الله عليه وسلم: (أومخرجي هم؟) قومي، أبناء عمي، جيراني، أهلي، الذين يسلمون علي، ويسمونني الصادق الأمين، سوف يطردوني من بلدي؟! قال: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:186] وعد من الله سبحانه وتعالى، تبتلى بالمال والنفس.
قال: يا بني! أنت اليوم أعظم شأناً مني وسوف تبتلى، فإن ابتليت فلا تخبر عني.
أي: اكتم خبري.