اسمع إلى ابن عباس وهو يقرأ قول الله جل وعلا: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] فبكى، ثم قيل له: [يـ ابن عباس! لماذا تبكي؟ قال: آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق أهلك آخر العدد دخول قبرك] {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] ما يدريك أنك قد لا تخرج من هذا المجلس من يضمن لك أنك تصل إلى البيت؟ البعض منا وهو يستمع إلى هذه الكلمات يقول: إن شاء الله أتوب من الغد، وما يدريك أنك ترى الغد؛ بل من يضمن لك أنه إذا خرج منك النَّفَس أن يعود إليك؟!
عبد الله! لا تكن طويل الأمل.
عبد الله! إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء.
عبد الله! لا تضمن أنك تخرج من هذه الأبواب وأنت جالس تستمع إلي، اعزم على التوبة، وعلى ترك الذنوب والمعاصي، قلها صريحة من قلبك: رب تبتُ إليك اندم والندم يكون في القلب لا في اللسان، لينكسر القلب، وليخشع لله، ثم اعزم من القلب أنك لن تعود إلى المعاصي أبداً ما حييت؛ فإن غلبتك نفسك وعدت فعد مرة أخرى للتوبة، وكلما عدت عد مرة أخرى للتوبة.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى مازال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أجمعها خلفي وأخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضيتها لعباً قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
لما أتت أبو الدرداء سكرات الموت قال كلمات -أرجو منك أن تحفظها قبل أن تخرج- عظيمات تكتب بماء الذهب، قال رضي الله عنه وهو ينصح هذه الأمة وكأنه يعنينا أمة غافلة أمة نائمة أمة قد ألهتها الشهوات أمة لا تعرف -إلا من رحم الله- إلا النوم على الأغاني والطرب والنساء أتعرف بم ينصحهم؟ يقول وهو يحتضر: [ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا؟! ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه] {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْت} [المؤمنون:99 - 100].
عبد الله! لا تقل: من الغد، وما يدريك لعل هذا يكون هو النذير الأخير.