هذا الإمام مالك رحمه الله، قام ليلة من الليالي -طوال الليل- وهو قابض على لحيته، وهو يقول: "يا رب يا رب! قد علمتَ ساكن الجنة من ساكن النار ففي أي الدارَين مالك {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] لا يستطيع أن ينام كيف ينام والنار تسعر تحته؟!
كيف ينام والجنة تزين فوقه؟!
كيف ينام من هذا حاله؟! {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:16].
عبد الله! هلاَّ كنا كهؤلاء؟! الذنوب كثيرة، والآثام أكثر هلاَّ قمنا ليلة من الليالي نبكي ونتذكر الذنوب ونحصيها ونعدها؟!
أتظن أن الله ينسى؟! أتظن أن نظرتك عندما فتحت الجريدة ونظرت للمرأة أتظن أن الله نسيها؟!
أم تظن -يا عبد الله- عندما كنت تستمع إلى تلك الأغنية ثم أغلقت الشريط أو المذياع وقد تمتعت بالسماع أتظن أن الله قد نسي، قال سبحانه: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6].
نعم! نسينا الذنوب لكن هل تعرف متى نتذكر؟
صلى الله عليه وسلم إذا لقينا الله جل وعلا، وجيء بجهنم تُجر، لها سبعون ألف زمام، وتخيل ذلك المنظر الأنبياء، والمرسلون، والصالحون، والصديقون يجثون على الركب {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] كل الأمم تجثو على الركب، في تلك الحال كل منا يمر عليه شريط حياته، وذكريات عمره، يتذكر يوم نادته أمه فقال: لا، وأمره أبوه فقال: أف، كلٌّ مسطور.
عبد الله! {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ} [الفجر:23] ولكن! {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] ماذا يستفيد من الذكرى؟ يتذكر كم ليلة نام عن صلاة الفجر ولم يقم إلا والشمس قد طلعت، والمصيبة أنه يضحك تضحك علام يا عبد الله؟!
كان السلف من الصحابة والتابعين يبكون ليس فقط إذا خرج وقت الصلاة؛ بل إذا فاتتهم صلاة الجماعة، كان الواحد منهم إذا دخل المسجد والناس قد صلوا بكى.