اسمع -يا عبد الله- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه خبر عن بني سلمة ما هذا الخبر؟
خبر ليس فيه جريمة، ولا اتهام كبير، ولكنه خبر كالأخبار وهو: أن بني سلمة سوف ينتقلون من بيوتهم؛ لأن بيوتهم بعيدة عن المسجد، فيشترون بدلها بيوتاً بالقرب من المسجد، فالأمر عادي، والخبر خفيف، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم على أناس ولا ينصحهم من ورائهم إلا بعد أن يتثبت، فجاءهم فقال: (يا بني سلمة! إنه بلغني أنكم سوف تنتقلون قرب المسجد) يريد أن يتأكد هل هذا الأمر صحيح؟ وهل هذا الخبر أكيد؟ ومن الذي نقله إليه؟ إنهم صحابة عدول رضي الله عنهم وأرضاهم ولكنه التثبت والخلق العظيم: (إنه قد بلغني عنكم، أنكم سوف تنتقلون قرب المسجد؟ قالوا: نعم يا رسول الله! فقال: يا بني سلمة! دياركم دياركم تكتب لكم آثاركم) لم ينصحهم ولم يتكلم عليهم، ولم يوصل إليهم النصيحة من وراء أظهرهم إلا بعد أن تثبت، لأنه تمثل قول الله جل وعلا: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وفي قراءة قال: (تثبتوا) قال بعض المفسرين: "تبينوا وتثبتوا بمعنى واحد".
وقال بعضهم: تبينوا تختلف عن تثبتوا، فالتثبت يكون في الإسناد، أي: نتأكد هل قال أم لم يقل؟
وتبينوا في المعنى، أي: ماذا يريد بهذا الكلام؟ وما الذي حمله على هذا الكلام؟ فالأمر فيه معنى أوسع.