أختي الكريمة: قبل أن نختم حديثنا، اسمعي إلى قصة هذه الفتاة، فتاة غرتها المجلات، فتاة ضحكت عليها تلك المقالات، سمعت بدعاة تحرير المرأة، قرأت لهن، وكتبت إليهن، واستمعت إليهن، فإذا بها تسير وراءهن، داعيات تحرير المرأة، هدى شعراوي هل سمعتي بها؟ أم تلك التي تسمى صفية زغلول امرأة سعد زغلول هل سمعتي بها؟ أولئك اللواتي استقبلن سعد زغلول بعد تحرير مصر استقبلن سعد زغلول كما يسمونه الرجل الوطني الهالك، استقبله أفواج من النساء متحجبات في الظاهر، أما الباطن لا يعلم به إلا الله، ثم يسيرون مسيرة إلى ميدان الإسماعيلية، ليجتمع الناس الحشود الهائلة والجماهير الغفيرة، إلى قادات المجتمع، وإلى سيدات المجتمع، من؟! هدى شعراوي؟ صفية زغلول؟ وغيرهن من الهالكات، فإذا بهن يرمين الحجاب ويطأنه بأقدامهن ثم يحرقنه وسط تصفيق الجماهير الحاشدة، أرأيت كيف؟
هذه الفتاة غررت بتلك الدعوات، كانت لما تقرأ على صفحات المجلات صورة من؟ صورة فلانة النجمة الموهوبة، أو الممثلة الواعدة، أو المطربة الشهيرة، فلانة بنت فلان، كيف تطبع هذه المجلة؟ كم نسخة؟ عشرون ألف، ثلاثون ألف، بل بعض المجلات مئات الآلاف تطبع؛ ليقرأها وليرى صورتها كل ساقطٍ ولاقط، وكل حقير ووغد، وكل ساقطٍ ومجرم فاسق، ينظر إلى صورتها ويتمتع بها، هل تساوى هذه المرأة شيئاً؟!
فاغترت هذه الفتاة بهذه المجلات، وبهذه القصص، وبتلك الوعود، تقول عن نفسها: ضياعٌ في التفكير، ضياعٌ في المشاعر، تقول: كل من حولي كان سافراً، أمي سافرة، أخواتي سافرات، صديقاتي سافرات، تقول: كيف يدعوني أحدٌ للحجاب والكل من حولي سافر؟!
تقول: كنت لم أتجاوز السابعة عشر من العمر، رافقت أختي وخالتي في السيارة لكي نذهب إلى أهلي، يقول: ومع السرعة الشديدة وعدم تحكم السائق انقلبت بنا السيارة، تقول كان حادثاً رهيباً، واقتربت ساعة الموت {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [المؤمنون:99] فهل تظنين -أختي الكريمة- أن هذه التي كانت كل يوم في موضة، وكل يوم في سهرة، وكل يوم معها صديق، هل تظنينها ماذا تفعل عند لحظة الوفاة؟ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] تقول: حادث رهيب لم أنسه حتى اليوم، توفيت أختي وخالتي، تقول: ونجوت وحدي ولله الحمد.
تقول: وبعد هذا الحادث، رأيت في المنام أحلاماً مفزعة، تقول: أرى في المنام رأسي ويدي ورجلي مسودة، تقول: الرجل مسودة، واليد مسودة، والرأس مسوداً تقول: ففهمت الرسالة، وعلمت أنها الأعضاء المكشوفة، وأنه الجسد المكشوف.
تقول: فأقوم من نومي فزعة، وتقول: هاأنا اليوم أعلنها بغير تردد، عازمة متوكلة على الله تقول: تحجبت والتزمت بالصلاة، والتزمت بالعفاف، ورضيت بالحياء، وتقول: لن أفارق المصحف، ولن أفارق الصلاة ولا الصيام، تقول: محاولات كثيرة وعديدة من شيطانات الإنس يحاولن إعادتي للسفور، وللضياع، وإعادتي للدنيا ولكن لا أمل لهن {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].