فاطمة بنت محمد بن عبد الله رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها، أسمعتي بها؟ هل جاءتك أخبارها؟ هل تشكين فيها يوماً من الأيام؟ اسمعي إليها وهي تحاور صديقة لها، من هي؟ إنها أسماء بنت عميس، تقول لها: [يا أسماء -اسمعي للحوار، وعيه، وانتبهي إليه، وتدبري معانيه- إني لأستحي أن أخرج غداً على الرجال من خلال هذا النعش] أتعلمين ماذا تقصد؟ تقول: يا أسماء أخاف أن أحمل يوماً من الأيام على الأكتاف، فينظر الناس إلى جسمي، وقد وصف هذا الجسم تقول: أخاف من هذا المنظر، أخاف من هذا الموقف، لا أتحمله، نعم تخاف على حيائها بعد الموت، وتخشى على عفتها بعد الموت، تريد أن تعيش عفيفة وتموت عفيفة وتحشر إلى الله عفيفة.
فقالت لها أسماء: [يا فاطمة! أولا نصنع لك شيئاً رأيته في الحبشة؟ تقول: فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه] مثل الصندوق، توضع فيه المرأة فلا يراها من حولها، وتحمل على الأكتاف لا يراها الناس، الله أكبر! الله أكبر! تقول فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، سترك الله كما سترتني.
أرأيت -أختي- عفافاً مثل هذا العفاف؟ أرأيت طهراً أفضل من هذا الطهر، تقول فاطمة يوماً من الأيام: [خيرٌ للنساء ألا يرين الرجال ولا يراهن الرجال].
هي بنت من هي زوج من هي أم من من ذا يداني في الأنام علاها
أما أبوها فهو أفضل مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد رباها
وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه تياها
أختي الكريمة: يا من بدأ الناس يتكلمون على عفتك، وحيائك، وحجابك! قوليها صادقة:
لست من تأسر الحلي صباها فكنوزي قلائد القرآن
وحجابي الإسلام فوق جبيني هو عندي أبهى من التيجان
لست أبغي من الحياة قصوراً فقصوري في خالدات الجنان
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31].
هذه امرأة قتل ولدها في المعركة، فجاءت بعد المعركة تبحث عن ولدها بين القتلى، تبحث عنه يمنة ويسرة، تبحث عنه بين القتلى فلا تجده، امرأة متنقبة محتجبة محتشمة تبحث عن ولدها القتيل بين القتلى، فرآها الرجال تبحث عن ولدها، فقالوا لها: يا فلانة اكشفي النقاب لتبحثي عن ولدك حتى تريه، أتعلمين ماذا قالت؟ إن حزن فقد ولدها لم ينسها عفتها وكرامتها وحياؤها، قالت تلك المرأة كلماتٍ عجيبة قالت: لأن أفقد ولدي خيرٌ لي من أن أفقد حيائي وديني.
يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء