السبب السابع: من الأسباب التي تجعل بعض الناس يترك الدعوة إلى الله جل وعلا: شُبَهٌ -وسوف أسردها سريعاً- يتعلق بها كثير من الناس.
لِمَ لا تدعو إلى الله؟ لِمَ لا تأمر بالمعروف؟ لِمَ لا تعمل معنا في طريق الدعوة إلى الله؟ اسمع لهذه الشُّبَه:
الشبهة الأولى:
بعض الناس يقول: الواقع مرير، والفساد كبير، والسيل جارف، ولا تستطيع أن تعمل شيئاً، اجلسوا في بيوتكم، عليكم أنفسكم.
وهذا الرجل المسكين ما قرأ كتاب الله حقاً؛ لأن الله جل وعلا يقول لنبيه: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] ما عليك شيء، {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] حتى ما يكون هناك حجة علي، فقط بلِّغ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:21 - 22].
ماذا قالت بنو إسرائيل؟
{لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} [الأعراف:164] ما فيهم خير؟ القوم ضاعوا وفجروا وتركوا دين الله، والفساد منتشر، لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164] لا نيئس من رحمة الله جل وعلا.
الشبهة الثانية:
بعض الناس يقول ضد هذا، يقول: الحمد لله، الناس في خير، لِمَ هذا التعب؟! لِمَ هذا الصياح؟! لِمَ الأمر بالمعروف؟! لِمَ النهي عن المنكر؟! الحمد لله المساجد ممتلئة.
نقول: هذا الرجل ينظر بعين واحدة، ولا ينظر بالعين الأخرى.
عبد الله: أما ترى الفساد منتشراً؟! ألا ترى التبرج في كل مكان؟! أين نحن من صلاة الفجر؟!
أيها المصلي صلاة الفجر: ألا ترى الفرق بينها وبين صلاة العشاء؟! ألا ترى الفرق بين هذا وهذا؟!
الصلاة تقام وما زالت المحلات مفتوحة! وبعض الناس يعمل ولا يبالي بالصلاة، ألا ترى هذا يا عبد الله؟!
ألا ترى سب النبي صلى الله عليه وسلم في الصحف؟! كيف تجرأ الناس إلى هذا؟!
يأتي ذلك فيقول: ليس هناك دليل، لا من القرآن ولا من السنة على وجوب الحجاب! إنا لله وإنا إليه راجعون.
ألا ترى الآخر يقول: ليس هناك دليل في القرآن ولا في السنة على تحريم الخمر؟! ألا ترى هذا يا عبد الله؟!
فجور سب لله سب لرسول الله تحريف لهذا الدين، وأنت جالس تقول: الحمد لله، الناس بخير! أي خير هذا يا عبد الله؟!
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
الشبهة الثالثة:
اسمع يا عبد الله إلى شبهة أخرى: بعض الناس يقول: تعال يا أخي، نريد أن نوزع شريطاً في الشارع، في المحلات، في ذلك المجمع، جمعنا بعض الأشرطة ونريد أن نوزعها في ذلك المجمع، في ذلك السوق، تعال معنا، فيقول: إني أخاف.
لِمَ تخف يا عبد الله؟!
قال: أخاف الفتنة، أخاف أن أنظر إلى النساء، أخاف أن يتعلق قلبي بهن، اتركوني في البيت، في المسجد، سبحان الله! لَمَّا يذهب لحاجياته لا يقول: أخاف الفتنة.
إذاً يا عبد الله! إن كنت تخاف الفتنة، لِمَ لا تدعو في مكان الرجال؟! لِمَ لا تدعو في عملك؟! لِمَ لا تدعو في المقاهي التي تجلس فيها؟! تدعو إلى الله جل وعلا: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:49] استأذن عن الجهاد، اعتذر عن الجهاد، أتعرف لِمَ؟
الجد بن قيس قال: (يا رسول الله! ما أستطيع أن أذهب إلى الجهاد، قال: لِمَ؟ قال: أخاف فتنة بني الأصفر) أخاف أن أفتتن بالنساء، قال الله جل وعلا: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49].
الشبهة الرابعة: بعض الناس يحتج بشبهة أخرى: يقول: أنا لا أصلح للدعوة إلى الله، أو بعضهم يقول: أنا عندي ذنوب، وعندي معاص، كيف أدعو إلى الله جل وعلا؟! اسمع! كل منكِر مطالب بالدعوة ولو كان عنده بعض المعاصي.
ولو لَمْ يعظ الناس من هو مذنبٌ فمن يعظ العاصين بعد محمدِ
هل هناك بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إنسان لا يعصي الله؟! حتى أبو بكر: (كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون).
إذا كان كل إنسان يقول: أنا عندي معاصٍ، حتى أترك المعاصي ثم أدعو إلى الله.
أخطأت يا عبد الله، صحيحٌ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] هذا إثم؛ لكن لا تجمع مع الإثم إثماً آخر، ما هو الإثم؟ ألا تدعو إلى الله جل وعلا، وقلها صادقة من قلبك: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ} [يوسف:108].
أول الناس في هذا الطريق محمد عليه الصلاة والسلام، وأيضاً من يسير في طريق الدعوة إلى الله؟! قال: {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] كل من ادعى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يدعو إلى الله، وهذه الآية -يا عبد الله- تدل على أن من تمام الاتباع الدعوة إلى الله.