السبب السادس: عبد الله، من أسباب الفتور في الدعوة -واستمع لهذا السبب وانتبه له-: كثرة الخلاف، وانتشار الشقاق والنزاع، هذا يسب هذا، وهذا يشتم هذا، وهذا يطعن في هذا، وهذا يغتاب هذا، حتى صار بعض الدعاة والخطباء الواعظين الآمرين بالمعروف والنهاة عن المنكر يحتاجون إلى من يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى!
ما السبب؟!
دخل في هذه المتاهات، بدأ يختلف مع إخوانه، وهل كلما اختلفنا افترقنا يا عباد الله؟! نحن المسلمون للأسف كما قال صلى الله عليه وسلم: جعل الله بأسنا بيننا، بأس هذه الأمة بينها، كلما اختلف رجل مع أخيه تفرقا وتهاجرا، حتى قال شيخ الإسلام: إن كان هذا الأمر صحيحاً ما بقي أخَوان.
عباد الله: نحن نتفق في أصول الإسلام، نتفق في أصول أهل السنة والجماعة، وماذا بعد هذا؟
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10].
هذه الحادثة والله لو حدثت في زماننا ولم تحدث قبلنا، لرأيت النزاع والشقاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) ففهم بعض الصحابة أنه حتى ولو فات وقت العصر فلن يصلوا العصر إلا في بني قريظة، وبعض الصحابة فهم أمراً آخر قالوا: لا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الاستعجال، فلما حان وقت الصلاة صلوا في الطريق.
اختلفوا يا عباد الله! هل سمعت أن الصحابة تقاتلوا وافترقوا لأجل هذه المسألة؟ لا.
يا عبد الله: الصدور أوسع مما تظن، والحمد لله هذا الدين يسع كثيراً من الخلاف، ولهذا رأينا الشافعي يخالف الإمام أحمد، ومالك يخالف أبا حنيفة، هل سب أحد منهم الآخر؟! هل شتمه؟! هل حذر منه؟! هل نفر الناس عنه؟! هل حذر من التتلمذ والدراسة عليه؟! لا يا عباد الله.
أتعرف لماذا؟ لأن عندهم قاعدة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] نحن والحمد لله ندخل تحت لواء أهل السنة والجماعة، فليعذر بعضُنا بعضاً.
نعم، نتناصح، نتناقش، نتجادل، وسألتُ بعض الناس سؤالاً، قلتُ لهم يوماً: لو رأينا رجلاً شيخاً وقوراً صاحب دين وصدق، أكل لحم جزور، ونحن نعلم أن لحم البعير ينقض الوضوء، وبعد أن أكل لحم البعير قام ليصلي بنا، فقام بعض الناس يقول له: يا شيخ! لحم البعير ينقض الوضوء، وهذا هو القول الصحيح، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سئل: (أنتوضأ من لحم الجزور؟ قال: نعم) فقال الشيخ: لا، لحم البعير لا ينقض الوضوء.
فقلنا له: يا شيخ، صلاتك لا تصح، قال: لا، أنا مقتنع بأن لحم البعير لا ينقض الوضوء، فقام وصلى بنا، هل تصلي خلفه وأنت تعتقد أن لحم البعير ينقض الوضوء؟
يقول الشيخ محمد الصالح بن عثيمين: يصلي خلفه، وصلاته صحيحة، وصلاتك صحيحة، أرأيت ما أعظم هذا الدين! أرأيت ما أعظم فهم العلماء وفقههم الدقيق.
يقول: بما أنه يعتقد أن هذا لا ينقض الوضوء، وهو ليس متبعاً للهوى، بل متبعاً للدليل، وهذا قول جمهور العلماء أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء، وهم يقولون: إن هذا الحديث منسوخ، إذاً هو متبع للدليل ومجتهد، وإن أخطأ فله أجر، فتصلي خلفه، وبما أن صلاته صحيحة، فصلاة من خلفه صحيحة.
أرأيتم يا عباد الله! كيف أن بعض الناس ضاقت أنظارهم، صار لا يرى في أخيه إلا الخطأ، لا يرى فيه إلا السوء، لا يرى فيه إلا الزلل، لا يعرف حسناته وفضائله.
سُئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله في الحج الماضي: عن تقويم الناس، وتقويم الجماعات والطوائف، يقولون له: إن بعض الناس يقول: لا يجوز إذا أردت أن تقيم إنساناً أن تذكر حسناته، تذكر العيوب التي فيه فقط؟ أتعرف ماذا قال الشيخ ابن عثيمين؟!
قال: إذا كنت تريد أن تقيم إنساناً يجب عليك وجوباً أن تذكر حسناته وسيئاته.
ليس استحباباً، بل وجوباً؛ لأن هذا تقييم، هذا ميزان العدل والإنصاف يا عبد الله، أما إذا أردت أن تحذر من بدعة أو خطأ، فلا يجب عليك أن تذكر الحسنات، بل تحذر من البدعة، وتحذر من الخطأ، ولا بأس بهذا كله.
إذاً: يا عباد الله! لتتسع صدورنا للناس.
نعم، نتعاون، نتناصح، نتذاكر، نتناقش، إمامنا ورائدنا كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة السلام وإجماع الصحابة، هذه حجتنا القاطعة التي ليست بعدها حجة؛ ولكن يا عباد الله! لتكُن صدورنا أوسع مما هي عليه الآن.