الأمر الثاني -ولعله هو أكثر ما سنتحدث عنه في هذه الليلة- هو طلب العلم واسمع إلى فضل طلب العلم:
إذا لم يكن عندك حماس، ولا همة في طلب العلم، ولم تتشجع لقراءة الكتب، واستماع الأشرطة، فاسمع الآية تلو الآية، والحديث تلو الحديث، والأثر تلو الأثر، والقصة تلو القصة، لعل الهمة فيك تقوم وتعلو.
أيها الإخوة: إنه والله مسكين من ترك العلم، كما قال بعض السلف: واسوأتاه! ما أقبح من شيخ جاهل! أي: (شيخ كبير في السن وجاهل) ما أقبح هذا! والله عيب ما بعده عيب، ولو كان الرجل مشلولاً أو مريضاً أو عاجزاً أو مقعداً، أو قبيحاً وجهه؛ لكن عنده علم، فإن الله عزَّ وجلَّ يرفع شأنه، ولو كان أجمل الرجال وأعلاهم قدراً ومنزلة ومالاً وما عنده علم فإن الله عزَّ وجلَّ يضعه بين الناس حقيراً ما يسأله أحد، ولا يلتفت إليه، ولا ينظر إلى كلامه؛ لأنه جاهل.
قال الله تعالى في فضل العلم: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] قال بعض المفسرين: أي العلماء.
انظر مرتبتهم؛ بعد الله رسوله، وبعد رسوله هم العلماء، وقال الله تعالى: {قل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] لا يستوون؛ هذا جالس طول الليل يقرأ كتاباً ويلخص، ويكتب في الهامش، ويرجع إلى الأحاديث صحيحها من ضعيفها، ويسمع الشريط ويلخص، وهذا جالس على التلفاز والجريدة هل يستوون؟! والله لا يستوون عند الله {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].
وقال عليه الصلاة والسلام: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) كفضل النبي صلى الله عليه وسلم على أدنى واحد من الصحابة، وقال (طالب العلم -ليس شرطاً أن يكون عالماً- يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر) حتى السمك في البحر يستغفر له! هل هناك أفضل من هذا؟! أأنت خير أم من يجلس وقته كله يقرأ الجريدة أو المجلة أو ينام على الفراش؟
هل سمعتمُ عن بعض الناس ينام من المغرب ولا يقوم إلا عصر اليوم الثاني؟ ينام في اليوم والليلة ثماني عشرة ساعة، كم سيستيقظ؟ ست ساعات، ربع العمر، وثلاثة أرباعه في النوم، هل يستوون؟
وقال عليه الصلاة والسلام: (خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت، وفقه في الدين) الله أكبر! خصلتان إن كانت فيك فحري بك أن يصرفك الله عزَّ وجلَّ عن النفاق: حسن سمت، وفقه في الدين وقال عليه الصلاة والسلام: (فضل في علم خير من فضل في عبادة) وقد سئل الإمام أحمد: أيهما أفضل: قيام الليل أم طلب العلم؟ فقال: طلب العلم.
ولو خيرتَ بين أمرين: هل تصوم التطوع أم تطلب العلم؟ لأن بعض الناس يقول: لو صمتُ لما استطعت أن أقرأ، وإن أفطرت سوف تكون لي همة في القراءة، فأيها أفضل؟ إن فضل صوم التطوع عظيم! يباعد الله عزَّ وجلَّ بينك وبين النار مسافات عديدة، لكن طلب العلم أفضل، وإن استطعت أن تجمع بين الأمرين فهو خير على خير.
وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم) هذا هوا الفضل، وهذا هو الشرف، وليس هذا الفضل للملك وللأمير وللوزير ولا للشريف ولا للغني، إنما هذا الشرف وهذا الفضل لرجل ولو كانت ثيابه ممزقة نتنة، ولو كان الناس يستقبحونه، خرج ليطلب العلم (ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع حتى يرجع) منذ أن يخرج من البيت ذاهباً إلى درس في مسجد إلى أن يرجع يا إخوان: تحسسوا هذا الأمر، ومن استشعر هذا الأمر لا يمل، فمن حين يخرج والملائكة تضع أجنحتها له، والملائكة لها أجنحة عظيمة، تتواضع لهذا الرجل ولهذا الشاب ولو كان طفلاً صغيراً.
وقال عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) أي: واجب، وهناك واجب عيني وواجب كفائي.