عدم الصبر على المعوقات والمصائب

ومن الأسباب: معوقات ومصائب ما تحملتها؛ فجلست وركنت، وجلست في مثل هذه المجالس تقول: للدعوة رجال، أما نحن فلسنا من أهلها.

ولعل السبب أنك أصبت بمالك، فخسرت بعض الشيء في الدنيا الناس قد حصلوا على العمارات والعقارات، وحصلوا الأثاث والبيوت، أما أنت فجلست تنظر إلى حالك فرحمتها، فقلت: الدنيا الدنيا، ليس لي مكان بين هؤلاء الناس، لا أستطيع الدعوة إلى الله.

لعله قد استهزأ بك رجل، أو ضحك عليك أقوام، فقلت: لا أستطيع أن أتحمل، فتقاعست عن الدعوة إلى الله.

ألم تعلم أن أصحاب نبيك كانوا يسحبون على الشوك في الشمس، وتوضع الصخور على صدر أحدهم وهو يقول: أحدٌ أحد، أحدٌ أحد.

يقول ابن عباس: حتى إن أحدهم لا يستطيع الجلوس من العذاب، ومن الضرب، حتى إنَّ الكافر ليمر عليه فيقول له: هذا إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، هذا إلهي من دون الله، يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان.

ألم تسمع بقصة ذلك الصحابي الذي نظر إلى أمه تطعن في فرجها برمحٍ حتى أزهقت روحها، وهو صابر محتسب، يمر عليهم عليه الصلاة والسلام فيقول لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).

ألم يخنق حبيبك صلى الله عليه وسلم؟ خنقه عقبة بن أبي معيط فما فكه إلا أبو بكر ألم يوضع على ظهره سلى الجزور فما رفعه عن ظهره إلا ابنته الصغيرة فاطمة رضي الله عنها.

ألم تسمع بـ أبي ذر حينما قام للناس وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فضُرِب حتى سال منه الدم، فما فكه عنهم إلا أحد المشركين، ثم يقوم في اليوم الثاني فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيُضرب حتى يدمى.

ثم هكذا في اليوم الثالث.

ألم تُكسر رباعية نبيك عليه الصلاة والسلام؟ ألم يُشج وجهه؟ ألم يُطعن في عرضه؟ ألم تدمى أصبعه؟ ألم يسقط في حفرة حتى كاد أن يُقتل؟ ألم يحصل له كل هذا؟

ألم تسمع بقصة ماشطة بنت فرعون، والحديث وإن كان في إسناده شيء إلا أنه يتقوى ببعض الطرق (مرَّ عليه الصلاة والسلام برائحة طيبة، فقال لجبريل: ما هذه الرائحة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون قال: وما خبرها؟ قال: كانت تمشط ابنة فرعون فسقطت المدرة من يدها -المشط- فأخذتها وقالت: باسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: ربي وربُ أبيك الله رب العالمين، قالت: أُخبر أبي.

قالت: أخبريه.

فأخبرت فرعون -الذي طغى، وتجبّر، وقتل الرجال، وسفك الدماء- فناداها فقال لها: أولك ربٌ غيري؟ قالت بصبر وصمود وثبات: ربي وربك الله رب العالمين -وهي تعرف أنه ليس وراءها إلا الموت- فقال: ائتوا بأولادها، فأتوا بأولادها الصغار، فبدأ يحرق أولادها واحداً تلو الآخر أمام عينها، فقالت له: لي إليك حاجة.

فظن أنها سوف ترتد عن عقيدتها، فقال: وما هي؟ قالت: أن تجمع عظامي مع عظام أبنائي في ثوبٍ وتدفننا جميعاً.

قال: ذلك لكِ من الحق علينا.

حتى انتهى إلى رضيعٍ كانت تحمله، فأرادت أن ترمي بنفسها في الزيت الذي يغلي، فكأنها تقاعست ليس لأجلها ولكن لأجل رضيعها، فأنطق الله ذلك الرضيع في المهد -وقال ابن عباس: إن الله أنطق أربعة منهم هذا- فأنطق الله ذلك الرضيع فقال: يا أماه! عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فرمت بنفسها ورضيعها).

ألم تسمع بتلك القصص أم أنك نسيتها؟! {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة:214] أما أنت فماذا مسك؟ وماذا أصابك؟ كلمات سمعتها من فلان، أم أنه مرضٌ أصابك، أم أن الوظيفة قد فقدتها، أم أنه بعض الدنانير قد خسرتها ماذا أصابك؟ {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] هل هذا هو السبب الذي أوصلك إلى هذا الحال؟ ألا تتحمل المصائب؟ أم أنك لا تحتمل كلام الناس؟ أم أنها ثقلت عليك الهموم والغموم؟ مسكين إن كانت هذه حجتك!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015