الطفل الأول: اسمه محمد بن إسماعيل: وُلِد في بخارى، والعلماء -الآن- كلهم عالة على هذا الصبي، كان صغيراً في السن، يأتي إلى مجالس أهل العلم -واسمع إلى هذه القصص وصدق أو لا تصدق- فيجلس بينهم، فيسأله المؤدب -يسمونه: المؤدب- لأن العالِم ليس فقط يحفِّظهم؛ بل يؤدبهم، وكان الشيخ هو المربي، وكان الذي يحفَظ العلم يتعلم مع العلم الأدب، كان الإمام أحمد يجلسُ قليل من الطلبة حوله يأخذون منه العلم، أما الألوف المؤلفة فكانوا يأخذون من أدبه وحسن سمته.
فقال له المؤدب: كم كتبت اليوم؟ فقال: اثنين، ولم يقل: حديثين إنما قال: اثنين، الإمام البخاري رحمه الله كان صبياً صغيراً، فضحك منه الناس، مجلسٌ لا يكتب فيه إلا حديثين، صبي صغير يعني: بالغصب يكتب له حديثاً أو حديثين، فقال لهم رجل: لا تضحكوا عليه، فلربما يضحك عليكم يوماً ما، وضحك البخاري عليهم يوماً ما، وتعجبوا من أمره، وما ذُكر أحد منهم في التاريخ، وما سُمي، وما اعتبر لأحد منهم، أما هو فالعلماء كلهم عالة على علمه.
البخاري رحمه الله جالس وهو صبي عند شيخ يحدِّث، أخذ يقرأ الأحاديث، فقال: حدثني فلان، عن فلان، وأخذ يحدِّث، فلما قال حديثاً عَلِم محمد بن إسماعيل هذا الصبي الصغير أن الشيخ قد أخطأ، فراجعه فرد الشيخ مرة ثانية، فراجعه فرد الشيخ مرة ثالثة، فراجعه محمد بن إسماعيل، وهو صبيٌ صغير، فقال الشيخ: مَن هذا؟ قالوا: هذا ابن إسماعيل، فنظر في نفسه وراجع، فقال: صدق، خذوا منه، إن هذا يكون يوماً من الأيام رجلاً، صبي صغير لا يفارق مجالس أهل العلم أتعرف كم حفظ؟ أكثر من سبعين ألف حديث وهو صبي صغير أين أولو الهمم العالية؟! تعجب من بعض الإخوة يقول: ليس عندي وقت! فتِّش في وقته؛ يشرب شاي وقهوة، سوالِفٌ وضحك، يَفِرُّ بالسيارة، يجلس في البيت يفكر! ماذا أفعل؟ ثم يذهب النهار كله وهو يقلب كفاً على كف، يقول: ما أدري ماذا أفعل! يحفظ سبعون ألف حديث وهو صغير.