الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أستسمحكم عذراً عن التأخير؛ حيث أن المنطقة بعيدة، وكلكم يعلم هذا، وهذه الدقائق التي مضت من الدقائق الغالية التي سوف نتكلم عنها.
العنوان مبهم يُبْهِم الموضوع، والبعض منكم يدور في باله الآن (الدقائق الغالية) لعلها الدقائق التي قبل الموت.
والبعض يظنها دقائق الهداية.
والبعض يظنها الدقائق التي يساق فيها الإنسان إلى الجنة.
والبعض كذا كل منكم يدور في ذهنه شيء.
والحقيقة -أيها الإخوة- أن الدقائق التي سوف أذكرها هي دقائق الحياة كلها، الدقائق التي تمر دقيقة بعد دقيقة هي في الحقيقة غالية؛ ولكن لا نحس بها، ولهذا قال ابن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيتَ بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
أما الحياة فهي كلها مركبة من ماذا؟ من دقائق دقيقة بعد دقيقة دقيقة بعد دقيقة، ثم تفنى الحياة، ولهذا قيل:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
الحياة كلها مركبة من دقائق، والعجب العجاب من شخص لا يبالي بدقيقة تلو دقيقة تلو دقيقة، حتى تفنى الحياة وهو لا يشعر بِها.
إذا بُعث الناس عند الله جل وعلا سألهم، فيقول لهم جل وعلا: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112]؟ فيجيب بعضهم فيقولون: {لَبِثْنَا يَوْماً} [الكهف:19] يوم واحد.
يستدرك البعض فيقولون: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [البقرة:259] حتى يوماًَ ما عشنا في الدنيا يا رب إنما هي عشية أو ضحاها، ساعات كانت قليلة.
يقولون بعدها يؤكدون: {فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113].
فيقول الله مجيباً لهم: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً} [المؤمنون:114].
الآن فكر! كم سنة مضت من حياتك؟! عشرون؟! بعضكم خمس عشرة سنة؟! بعضكم ثلاثون سنة؟! كيف مرَّت؟! كلمح البصر، بل هو أقرب، ذهَبَت ووَلَّت كَحُلُم.