عند توجهنا إلى بيت الله الحرام نتذكر أئمتنا كيف كان استسلامهم لربهم وخالقهم سبحانه؟ وكيف كان استسلام إبراهيم عليه السلام إذ أمر أن يطرح ولده إسماعيل، وهو طفل رضيع لا يجري ولا يسعى، وأمه هاجر امرأة ضعيفة مستضعف، فيلقيهما إبراهيم عليه السلام في أرض موحشة قفر، ليس لهم فيها أنيس ولا جليس، وينصرف عنهم صلى الله عليه وسلم، فتقول هاجر: يا إبراهيم! إلى أين تذهب وتتركنا في هذا المكان؟ ولم يكن ثم بيت لله ظاهر، ولم تكن الكعبة قد بنيت، فمعالم الحرم مندثرة تماماً، فتركهم إبراهيم في جبال مكة عند ماء زمزم الآن، وليس ثم ماء، وليس ثم أنيس، ولا جليس، وتركهم إبراهيم عليه السلام على هذا النحو وعلى هذا المنوال، فنظرت هاجر المرأة الضعيفة إلى إبراهيم وهو ينصرف عنها وعن ولدها الرضيع الصغير فقالت: يا إبراهيم! إلى أين تنصرف؟ ولمن تتركنا؟ قال: أترككم لله، فقالت: آلله أمرك أن تنزلنا هذا المكان وتنصرف؟ قال: نعم، ومضى متجلداً أمامها، ثم لما اختفى عن عينيها رفع يديه إلى السماء: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37] فاستجاب الله دعاءه، وعطشت هاجر عطشاً شديداً هي ووليدها، فطفقت تسعى بين الصفا والمروة ذاهبة وعائدة، تبحث عن الماء ولا تجد ماءً، حتى ضرب ولدها الأرض برجله فتفجرت زمزم ينبوعاً.
قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماء السماء.
وتفجر الماء المبارك ماء زمزم، فأتاها الناس إذ رأوا الطير تحوم حول الماء، وأنزلوها منزلاً كريماً، وكفاها الله وولدها شر ما أهمها، وأزال الله عنها الحزن بعد أن كادت أن تهلك، فرحمها الله، عليها سلام الله هي وولدها وزوجها.
فانظر إلى امتثال إبراهيم عليه السلام لأمر الله سبحانه وتعالى، فقد ترك ولده وأم ولده ممتثلاً لأمر الله، ولتلتمس نساؤنا هدياً من هاجر إذ سألت زوجها: آلله أمرك بهذا؟ فقال: نعم.
قالت: إذاً لا يضيعنا! فما ضيعها الله بعد أن أحسنت الظن بالله سبحانه.
نمتثل هدياً، نمتثل استسلاماً لله، إذ يؤمر إبراهيم الشيخ الكبير بأن يذبح ولده، وقد رزقه الله إياه بعد زمن طويل، ثم يؤمر بذبح الولد، قائلاً: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] لم يكن إسماعيل عاقاً أبداً فقد قال: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)، هكذا قال إسماعيل، ففداه الله سبحانه بذبح عظيم، فلنحيي سنة الأضاحي امتثالاً لأمر نبينا واتباعاً لسنة إبراهيم عليه السلام، إذ فدى الله ولده بذبح عظيم.