قال تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:68].
{مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا} بمعنى: لكن، {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} يؤخذ من ذلك أدب من آداب الخطباء وخلق من خلق التوجيه وهو: أنك إذا بينت أن شخصاً ما عنده خلل في ذاته، فينبغي أن تعقب هذا البيان بثناء حسن على هذا الشخص ولا تضيع حقوقه، هذا إذا سلمنا أنه إنسان مخطئ، ولكن ليس هذا بخطأ من يعقوب صلى الله عليه وسلم، بل قد أثنى الله عليه بقوله: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} ولكن المقام مقام رد الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، وإنما الذي صنعه يعقوب عليه الصلاة والسلام من باب الأخذ بالأسباب.
فنقول: من أدب التخاطب إذا كنت تريد التنبيه على شيء صدر من شخص، أن تتكلم بهذا التنبيه بطيب الكلام، وبطيب الثناء ومن ذلك: قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء:78] * {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} وأثنى الله على داود أيضاً فقال الله سبحانه: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:79] فينبغي أن يثني على الشخص الآخر أيضاً.