{وَقَالَ يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف:67] ذلك -والله أعلم- خشية العين، فإخوة يوسف كانوا أيضاً على درجة من الجمال والبهاء إذ هم من ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام قال الله في شأنهم: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:45] أي: الأقوياء العلماء، ثم إن جدتهم أيضاً هي سارة عليها السلام ولم يكن لها مثيل في الجمال في زمانها كما ورد في الصحيح: (إذ دخلت بلاد الجبار فقالوا له: قد دخلت بلادك امرأة لم يُرَ مثلها) فلا جرم أن يأتي أبناؤها وأحفادها على هذا النحو، فيعقوب صلى الله عليه وسلم قال لأبنائه: {يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} قال كثير من أهل العلم: ذلك خشية العين، فالعين حق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن العين لتولج الرجل القبر، وتولج الجمل القدر) وذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أسماء بنت عميس بعد مقتل زوجها جعفر بثلاث ليالٍ، ووجدها وقد التف حولها أبناؤها وفيهم نحافة فقال لها: (مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ قالت: تسرع إليهم العين يا رسول الله، قال: فاسترقي لهم) وأيضا: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه جارية لـ أم سلمة تغير وسواد، فقال: (إن بها النظرة، فاسترقوا لها) وأيضا: كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صحابي جليل من صحابته الكرام وهو سهل بن حنيف رضي الله عنه، وكان رجلا وسيماً أبيض، قام سهل بن حنيف يغتسل فرآه عامر بن ربيعة فقال عامر عندما رأى سهلاً ورأى بياض جلده: ما هذه الجلدة البيضاء؟! والله ما رأيت جلداً مثلها! ولا كأنها جلد بكر.
فسقط سهل صريعاً في الحال، فذهب أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! أدرك سهلاً، فقال عليه الصلاة والسلام: (من تتهمون.
قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: على ما يحسد أحدكم أخاه؟ هلا دعوت له بالبركة، ثم أمره أن يتوضأ وأن يغسل ركبتيه وداخل إزاره، ثم أخذ هذا الماء فصب على سهل بن حنيف، فقام كأنما نشط من عقال)، أي: كأنه كان مربوطاً بحبل وفك من هذا الحبل رضي الله تعالى عنه.
وقد ورد في كتاب الله ما يثبت ذلك، قال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51] فمن ثَم ولا جرم أن طلب يعقوب من أبنائه أن يدخلوا من أبواب متفرقة كان خوفاً من هذا الأمر.
ووجه آخر عند المفسرين: حتى لا يكيد لهم الكائدون؛ فإذا دخل هؤلاء -وعددهم أحد عشر شخصاً- من مكان كاد لهم الكائدون.