فنحن يوماً بعد يوم في هذه الأيام نرى أقواماً لا خلاق لهم إذا تزوج أحدهم أو زوج بنته -وقد ابتلوا بفقر- يقترضون الأموال، ويأتون بالفرق فرق الشر والفساد، فيستأجرون الزينة والساقطين من أصحاب الفرق فرق الغناء والفساد والشر كي يحييوا ليلة فرحهم بالشر والفساد والفسق والمجون، وكثير من إخواننا يقف موقف الناظر، والواجب أن يقف موقف المنكر بقلبه، وهي أضعف مراتب الإيمان كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا جاء شخص يتكلم وينكر بلسانه خشي من مغبة الإنكار باللسان، وإذا تجرأ وجاء ينكر خشي من مغبة الإنكار باليد من الحكومة التي لا تولي أمر دينها أدنى اهتمام في هذه الأيام، بل تحارب في كثير من الأيام المتمسكين بأمر الله، وإذا جاءت محاضرة ترهق غاية الإرهاق ليصرح لها من الدولة، أما موطن شر وفساد وفسق ومجون ودعارة فلا يحتاج إلى أدنى تصريح، فجدير بإخواننا أن يحافظوا على دينهم، والذي نقوله لهم أن يقوم بعض إخواننا بتقديم شكاوى للشرطة.
قبل حدوث هذه البلايا، ولا يبال بحق جاره أمام حق الله، فيقدم الشكوى بأن هذه الأمور تغوي أبناءنا وتنشر الفساد فيهم، وهكذا يقدم واحد تلو الآخر شكاويهم حتى نخفف من الشر والفساد، ولا زال هناك من رجال الشرطة من أهل الصلاح من لا بأس بهم يتتبعون مواطن الشر ومواطن الفساد، ويحتاجون إلى من يعرفهم، فإذا وصلت منك شكوى في هذا الشر والفساد، وعللت شكواك ولو بعلة دنيوية، كأن تقول: أولادي في الامتحانات.
أو: رأسي يؤلمني.
أو نحو ذلك، فالمهم أن تهتم بهذا الأمر أيما اهتمام.
فجدير بنا -معشر الإخوة- أن نسلك السبل القويمة بالتي هي أحسن لتترك هذه الشرور فنحفظ أبناءنا وبناتنا، وإن ابنك الصغير الذي يذهب وينظر إلى المرأة التي ترقص، وينظر إلى الرجل الذي يحتضنها لعله أن يفعل هذا بأخته، والسبب أنه رأى ذلك في الحرس الفلاني، أو الشاشة الفلانية، أو الفلم الفلاني.
فعليك -يا عبد الله- أن تكون حكيماً في إنكار المنكر، وتزكي الصلاح الكامن في رجال الشرطة الذين فيهم بقايا من صلاح حتى يتحركوا لإزالة هذه المنكرات، وأنت مأجور، ورب العزة يقول: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] فإذا كان لك جار له بنت سافلة تمشي بوضع مزرٍ مخزٍ فذكر والدها بما أوجبه الله عليه، فليس هناك أي عاقل يقر بحال من الأحوال أن تخرج فتاة متبذلة على هذا النحو المزري.
وقد تجد في أيام الاختبارات -ولا عجب- أن الأب يوقظ ابنه مبكراً، ويوقظ ابنته مبكرة للاختبار، ويقوم الأب بنفسه يعمل الشاي للبنت وللابن، لكي يذهب إلى الاختبار وعقله موزون، ولا يبالي بأن الولد ترك صلاة الفجر، كما قال رب العزة سبحانه وتعالى -وصدق فهو أصدق القائلين- {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة:20 - 21] وكما قال: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان:27].
فالرجل يجلس منبسطاً فرحاً وهو يرى ولده مقبلاً على كتب المدرسة، ويرى ابنته مقبلة على كتب المدرسة، ويجلس في خدمتهما، وتجلس الأم على قدم وساق لخدمة الولد ولخدمة البنت كي لا تذهب عن الولد فتأخذه نومة فيخسر في دنياه بزعمها، ولا تبالي هل فتح الولد مرة كتاب الله وتلا ما فيه، وهل جاء هذا الولد يوماً وقال: يا أبي ما معنى هذه الآية، وما معنى قول الله كذا، وما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
فجهل الآباء جعلهم لا يبالون بشيء من ذلك، ولم يعودوا يبالون هل صلى أولادهم أم لم يصلوا.
فيا عباد الله: الآخرة آتية، قال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان:40]، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} [النبأ:17]، وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الأنعام:15 - 16] اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم! أصلحنا وأصلح بنا، وأصلح بناتنا وأبناءنا وأزواجنا ونساءنا يا رب العالمين، اللهم! احفظنا جميعاً بحفظك، واكلأنا جميعاً برحمتك، واقذف في قلوبنا إيماناً -ياربنا- تقر به أعيننا، وترضى به عنا، وارحم -اللهم- موتانا وموتى المسلمين، ونور لهم في قبورهم، وافسح لهم فيها، وصل اللهم وبارك على نبينا محمد.