أصل التربية: أن يعرف الأبناء بربهم سبحانه وتعالى وبنبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتغرس محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قلوبهم، فيعلمون الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى كلها، وأن الله يراهم في كل موقف ومقام كما قال لقمان عليه السلام لولده الوصية الجامعة التي جمعت الأصول والفروع معلماً إياه كما قال الله: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، فتحذر الولد من الشرك تحذره تحذيراً شديداً، وتخبره أن الشرك يجعل صاحبه خالداً في النار، وتبين له صور الشرك، وتعلمه أن قوله: (لولا الكلب لجاءنا اللصوص) من الشرك في الألفاظ، وتعلمه أن دعاء غير الله لا يجوز، وتعلمه أن كلام الشيعة الذين يقولون: إن السماء تمطر بإذن علي بن أبي طالب أن هذا باطل، وتعلمه المعتقد الصحيح الذي اعتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتقده أصحابه، {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].
وهذه الوصية أيضاً وصى بها يعقوب عليه السلام بنيه عند الموت فقال: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] جمعهم عند الموت فقال لهم: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133]، فالذي يبدأ به الإنسان في تعليم، ويعلمه الأطفال؛ التوحيد؛ لأن الله قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].
ثم يأتي التحول في الخطاب فيقول الله سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان:14] لم يحك هذا على لسان لقمان عليه السلام، فيستفاد من هذا التحوّل في الخطاب: أن الوالد لا يطلب حقه مباشرة من الولد، فلا يقول له: من حقي عليك أن تفعل لي كذا وكذا، وإن كان هذا جائز، لكن يلمح له بطريق آخر، حتى لا يظن الولد أن في تعليم أبيه له مصلحة له، فلذلك تحول السياق وقال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان:14]، فلم تأت على لسان لقمان بل جاءت في سياق أنها من كلام الله سبحانه وتعالى، فلو كان لك حق على الولد فلا تقل له: حقي عليك كذا وكذا، وتعدد حقوقك على ولدك فيسأمك ويضجر منك، ولكن عرّض له تعريضاً وعلَّمه تعليماً.
والتعليم الذي صدر من لقمان بدأ بالأصول أصلاً أصلاً ثم بدأ بالتدريج.
قال: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:14 - 15]، والملاحظ أنه ركز على {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}، فيؤخذ من هذا التركيز: أن تعلم ولدك مصادقة أهل الصلاح، وأن يتبع سبيل من أناب ورجع إلى الله، فعلمه مصادقة الصالحين، وقل له: لا تصادق أهل الشر والفساد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً نتنة) {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15] قل له: يا بني! اختلط بأهل الصلاح والخير، فهم أصدقاء لك في الدنيا والآخرة، واتل عليه قول الله سبحانه: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].
ثم قال في الوصية: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] كل هذا تعريف بالله سبحانه وتعالى.
من هو الله سبحانه وتعالى الذي تعبده؟ هو: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219]، هذا هو الله سبحانه وتعالى الذي تعبده.
{إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16].