قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32]، أي: في خطابكن مع الرجال.
{فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أفادت الآية الكريمة أن من الرجال رجالاً في قلوبهم مرض، فثم رجال في قلوبهم صلاح، وآخرون في قلوبهم مرض، وآخرون امتلأت قلوبهم إيماناً، وآخرون امتلأت قلوبهم فجوراً وإثماً، وفئة من اصحاب النبي محمد عليه الصلاة والسلام قال الله فيهم: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18]، وفئة أخرى قال الله فيها: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:60]، فطائفة من الرجال قلوبها صالحة نقية صافية، وفئة أخرى من الرجال في قلوبها مرض، فإن تكلمت المرأة أي كلمة حملوها على محامل السوء، فتتكلم معهم المرأة ونيتها طيبة فيحملون مقالتها ما لم تحمله، فيظن أنها تريد منهم الفاحشة -والعياذ بالله-، فكل يؤول على ما استقر في قلبه -والعياذ بالله-، ولذلك قال الله لنساء نبيه رضي الله عنهن: ((فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)) [الأحزاب:32]، فهكذا ينبغي أن تكون المرأة، جزلة جادة في خطابها إذا احتاجت إلى خطاب مع الرجل، كما قال سبحانه: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة:235]، وكما قالت المرأتان بأسلوب جزل قوي: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23]، فهكذا تكون الكلمات التي تصدر من الطيبات، فدائماً تصدر أفواههن كلمات طيبات تقطع أطماع الطامعين فيهن.
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] أي: لا تكثرن الخروج إلا للحاجات.
فالأصل القرار في البيت، فتجلس في بيتها، ولا تخرج لمزاحمة الموظفين، ولا تخرج للتبذل في المواصلات والاحتكاك بالرجال، ولا تخرج إلا إذا دعتها الضرورة للخروج، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون المرأة من ربها وهي في قعر بيتها)، فمن كانت عنده امرأة موظفة لا حاجة له في خروجها إلا الطمع في المال فبقاؤها في بيتها خير له وخير لها في دنياهما وأخراهما، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، فلا يغرنك أن بنت فلان في الجامعة، ولا أن بنت فلان في الدبلوم، ولا أن بنت فلان في وظيفة كذا وكذا، فهؤلاء يشابهن الإماء في أعمالهن، أما الموقرات المحترمات اللواتي لا حاجة لهن إلى الخروج فأصل مجلسهن في بيتهن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد، وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في بيتها، وصلاتها في مخدعها خير من صلاتها في حجرتها)، فالمرأة الوقورة مجلسها بيتها، والصالحات قلن: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23].
فالناس يقومون بما قومهم به ربهم سبحانه، فلا تقوم الفتاة المتبذلة بأنها في جامعة كذا، وقد خرجت متبذلة متبرجة مزاحمة للناس، ولا توقرها بكونها تدرس في الجامعة، فلن تغني عنها الجامعة من الله شيئاً، قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33] وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الجاهلية الأولى كانت بين إدريس ونوح عليهما السلام، فكان هناك رجال يسكنون الجبال ومعهم نساؤهم، ورجال يسكنون السهل ومعهم نساؤهم، فكان نساء الجبل فيهن دمامة، ورجال الجبل فيهم صباحة وجمال، وعلى العكس من ذلك كان الأمر في السهل، فحصل احتلاط بين رجال الجبل ونساء السهل، وانعكست الأمور وتفشت الفواحش -والعياذ بالله-، وهذا روي عن ابن عباس، وليس عن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام.
فرب العزة سبحانه قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فمن صورها أن المرأة كانت تخرج تسافح الرجال -والعياذ بالله- وتختلط بهم.