ولما كانت فتنة النساء عظيمة داوم رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام على التحذير منها، فأردنا أن نلفت النظر إلى شيء منها؛ لأن نبينا كرر التحذير من هذه الفتنة مراراً وتكراراً.
إذ أن هناك أموراً تباح لنا مع النساء الأجنبيات اللواتي لسن لنا بمحارم، وأمور تحظر علينا، وأمور تلزم النساء في أنفسهن، فمن الأمور التي تلزم النساء في أنفسهن: الحجاب، كما أمرهن الله به، وكما أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم به، وكما كان فعل نسائه رضوان الله عليهن ونساء المؤمنين، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم منادياً نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59]، فلم يعد الأمر قاصراً على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بناته بل جاءت الآية عامة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59]، وأقوى ما ورد في تفسير الإدناء تفسير لتابعي جليل هو عبيدة السلماني رحمه الله تعالى، فقد فسر الإدناء عملياً، فقام إلى جلباب متسع غطى به جميع جسمه وأبرز عينه اليسرى، هكذا فسر عبيدة رحمه الله تعالى هذا الإدناء بأن لبس جلباباً واسعاً غطى جميع الجسد من الرأس حتى القدم وأبرز العين اليسرى فقط، وهذا لم يعارض بقول آخر من أقوال التابعين في تفسير هذه الآية، وهو بسند صحيح.
وقال الله سبحانه وتعالى كذلك في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، وهذه الآية في سياق الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حاول البعض قصرها على نساء رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورأى فريق آخر تعميم الحكم بها، وتعميم العمل بها، قال هذا الفريق الذي رأى التعميم: لأن الله قال في كتابه الكريم معللاً السؤال من وراء حجاب، قال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، وكما أن نساء النبي يحتجن إلى طهارة القلب فنساء المؤمنين من باب أولى كاحتياجهن إلى طهارة البدن.
وكذلك لأن الآية الكريمة الأخرى التي سمعتم آنفاً: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59] أفادت تعميم الحكم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة عورة)، فعمم عليه الصلاة والسلام ولم يخص، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك -لما تخلفت عن الركب وقدم إليها صفوان بن المعطل السلمي - قالت: فلما رأيته خمرت وجهي بجلبابي.
أي: غطيت وجهي بجلبابي.
وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فإذا حاذينا الركبان ورآنا الرجال أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزنا الرجال كشفت إحدانا الجلباب عن وجهها) وهذا في الحج.
وبهذه النصوص استدل فريق من أهل العلم على وجوب تغطية جميع بدن المرأة، الوجه وسائر الجسم.