قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، فكما أن الصلاة يتقرب العبد بها إلى ربه فكذلك النحر يتقرب به العبد إلى ربه، فإذا اشتريت لحماً وأكلت لحماً في هذا اليوم فلحمك إنما هو طعام ليس من النسك في شيء.
ولذلك إذا جاء شخص يستفتي ويسأل ويقول: هل لي أن أشتري لحماً إن كان هذا اللحم الذي سأشتريه أكثر وأعظم من لحم الشاة التي تذبح عقيقة أو ستذبح أضحية نقول له: لحمك إنما هو طعام ليس لك فيه شيء إلا أجر الإطعام، وليس لك فيه أجر القربة إلى الله، فالذبح في حد ذاته قربه يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] فالنسك هو الذبح على رأي جمهور أهل العلم، فيجب أن يكون الاستهلال لله، فإذا أهللت لله تثاب، كما أن الذي يهل لغير الله سبحانه وتعالى يأثم، فذات الذبح والتقرب به إلى الله فيه أجر، أما شراء اللحم فليس فيه كبير أجر، ولذلك ينصح إخواننا الذين لم يوسع الله سبحانه عليهم، والذين قدر الله عليهم في أرزاقهم أن يشتركوا سبعة في بقرة فيقتسمونها، فلهم في ذلك أجر أفضل من أجر الشراء من الجزار، فهذا هدي نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
وجدير بنا أن نلفت النظر أيضاً إلى سنة أخرى لمن لم يوفقوا للحج، ولمن لم يستطيعوا الحج وحيل بينهم وبينه وثم أقارب أو جيران لهم سيحجون، وهذه سنة هجرت وأغفلت، وقد كان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك عندما كان لا يحج، فقد حيل بينه وبين الحج عليه الصلاة والسلام فقلد بدنه وأرسل هديه كي يذبح بمكة، فهذه سنة غفل عنها الناس، ألا وهي أن من لم يستطع الذهاب إلى الحج فله أن يعطي رجلاً يذبح عنه هدياً في مكة، وذلك لأن سوق الهدي الآن من المشقة بمكان، فتجوز حينئذٍ الوكالة فيه، فيجوز لرجل يريد التقرب إلى الله أن يعطي جاراً له من الحجيج ما يهدي به عنه، أو يوكله في الشراء والذبح عنه بمنى أو بمكة فكل فجاج منى ومكة منحر كما قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، فهذه سنة خفيت على كثيرين، ولا نكاد نرى من يفعلها إلا غبرات من النساء كبيرات السن اللواتي يرسلن ببعض الحبوب لحمام الحرم بزعمهن أن في هذا قربة إلى الله، ولهن ما نوين، لكن السنة في ذلك إرسال الهدي، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام في زمنه -إذا كان ذلك ميسراً- يشعر البدن ويقلد الهدي ويرسله مع الزائرين إلى مكة.
ثم ليطلب المحروم من الحج من ربه سبحانه أن يكتب له ثواب هذا الحج، فالأعمال إن لم تنل بالأبدان تنال بالنيات، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا شاركوكم الأجر، حبسهم العذر)، وقد قال الشاعر: يا قاصدين إلى البيت الحرام لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا إلى أن قال: فمن سار بروحه فقد راحا فتمنوا من ربكم أن يكتب لكم الأجور بكونكم حيل بينكم وبين ذلك، وقد قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) اللهم يا ربنا يا سميع الدعاء: احشرنا مع نبينا محمد سيد ولد آدم في أعلى جنة الخلد التي أعدت للمتقين، وارزقنا أخلاقاً كأخلاق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، واجعلنا يا ربنا في عداد المحسنين السابقين إلى الخيرات.