قال تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ} [يوسف:51]، دليل على أن الملوك لا يعرفون دقائق الأمور، فالملك كان لا يعرف دقائق الأمور، فغاية ما يظن أنه قيل له: عبد جميل فتنت به امرأة العزيز، لكن لا يتصور الجمال ولا يتصور الأحداث، أو قال: عبد جميل حاولت الاعتداء عليه امرأة العزيز، فحاشية السوء تزين للملك أن يفعل الذي تريد.
ولذلك كان من نعم الله على الملوك والوزراء أن يقيض الله لهم بطانات صالحة وجلساء من أهل الصلاح، فإن الشخص الذي يكثر من الكلام على مسامعك يؤثر فيك بلا شك، فإن كان من أهل الصلاح فإنه يدلك على الخير، وإن كان من أهل الشر والفساد فإنه يدلك على الشر والعياذ بالله! قال عليه الصلاة والسلام: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كان له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى)، فجدير بكل منا أن ينتقي جلساءه وكل من يستمع إليهم، فلا تسمع لكل أحد أبداً، فإن أحداً من الناس قد يؤيدك على فعل الشر، فيسمع كلمة طيبة من أحد إخوانك الطيبين، فتنزل على قلبه كالبرد ترطب قلبه ويذهب الله بها الغضب عنه، ويقمع الله بها الشيطان، وآخر قد يكون في منتهى الهدوء والسكينة ولكن يأتيه آت شرير مفسد بكلمة تعكر عليه صفو حياته كلها، وتعكر عليه فكره، وترديه في الشر والعياذ بالله.
فلذلك لا تسمع من كل أحد، ولا تصغِ إلى كل أحد، بل اسمع إلى المتقين وأهل الفضل والصلاح، واعرف أحوال الناس، فهناك أناس لا يأتونك إلا بالشر، وهناك أناس يأتونك بالبشارات، فاستمع إلى النصحاء الأمناء، فإن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يخرج فيقول لأصحابه: (لا تحدثوني عن أصحابي)، وفي معنى الحديث: (إني أريد أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر) صلى الله عليه وسلم.
ونستفيد أن الملك لم يكن يعرف شيئاً عن الذي حدث لامرأة العزيز، والعزيز غير الملك، والدليل أنه حقق في القضية، فالأمور تجري على وجه السرعة، قال: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:51] وهنا يظهر الله الحق على ألسنة المعتدين، وألسنة الخصوم.
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:51]، أي: ما شأنكن؟ وإن كان هذا الإظهار في بعض الأحيان لا يتم في الدنيا، لكن يتم أمام ملك الملوك سبحانه وتعالى.