قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف:50]، فطلبه الملك ولم يرد يوسف أن يخرج إلا بريئاً صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه دليل على أن الإنسان يدفع الشبهات عن نفسه، ولا يعتقد أنه بدفع الشبهة أنه ناج، بل الذي ينجي هو الله: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]، دفع الشبهات إنما هو من باب الأخذ بالأسباب فقط، وإلا فقد تثبت الشبهة عند دفعك لها، ولكن تعلمنا من نبينا عليه الصلاة والسلام أن ندفع الشبهات عن أنفسنا مع اعتقادنا أن البريء من برأه الله.
فالنبي صلى الله عليه وسلم: (عندما مر به رجلان من الأنصار وهو واقف مع صفية بنت حيي زوجته يكلمها عند باب المسجد، فلما رآه الأنصاريان أسرعا المسير فناداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهما: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، قالا: سبحان الله؟ وهل نشك فيك يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام معلماً لهما وللأمة كلها: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال: شراً).
فقد يحملك الشيطان على الوقوف مع امرأة في مكان خفي، أو يحملك الشيطان على الذهاب إلى امرأة زوجها غائب أو مات عنها زوجها، ثم يحمل إخوانك على الظن السيئ بك.
فيوسف الصديق عليه الصلاة والسلام -ومشارب الأنبياء واحدة، وكلهم يستقون من الوحي النازل من السماء- لم يرد أن يخرج وهو متهم أبداً، بل قال لمن دعاه: ارجع إلى ربك أي: ارجع إلى سيدك كما أخبر الله بذلك في قوله: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: ما شأنهن وما حالهن؟ {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف:50].