يا عبد الله! اتق الله في جارك، خاصة إذا كان جاراً تربطك به قرابة، شخص يسكن في بيت فيه أمه وأبوه، يدخل البيت إلى أولاده ومعه الفاكهة، معه العنب، معه اللحم، معه أنواع الفاكهة، ولا يجعل عند نفسه بعض الدم، ولا جزءاً من الحياء، فيمر بأمه ولا يعطيها شيئاً من الطعام، ولا شيئاً من الشراب، أي جفاء أشد من هذا الجفاء؟! وأي غلظة أشد من تلك الغلظة؟! قطيعة للوالدين، وعدم إحسان للوالدين، وعدم إحسان للجيران.
أمك وأبوك اللذان أفنيا عمرهما لراحتك، وسهرا على مرضك وعلى بكائك، وكانت أمك تمسح الأوساخ عنك، وحينما تشب وتكبر وتتزوج تؤثر زوجتك عليها! تأتي بالطعام لزوجتك وتخفيه عن أمك! ولا تستحي من الله! تخفيه تحت الثوب! وتسرع في الصعود إلى زوجتك! وأمك العجوز الكبيرة محرومة ليس لها بعد الله إلا أنت، وتفعل معها هكذا! أنى يبارك لمثلك إذا كنت على هذه الحال من الدناءة والطمع والجشع والأنانية! ماذا ستستفيد إذا أكلت عنقودين من العنب؟! كل واحداً وأعطِ أمك واحداً، قد يمرضك هذا الثاني إذا أدخلته بطنك، قد يسبب لك المغص والتلوي، فتصدق عن نفسك بجزء لوالديك، أو لوالدك أو لوالدتك، فلا تكن جلفاً جافياً غليظا ًيا عبد الله! فإذا كان الجار من ذوي القربى؛ فحقه من أعظم الحقوق، لاسيما إذا كان الجار والداً أو والدة، وكيف تطيب لك نفس أن تجلس أنت وزوجتك تضحكون وأنتم تأكلون، وأمك المسكينة وأبوك -الذي هو على حافة القبر وعلى شفير الموت- يجلس حزيناً لرؤيته أنك صعدت إلى أولادك وتركته، ويجلس حزيناً عندما يراك تتخفى وتستتر وتطلع مسرعاً على السلم حتى لا يراك؟! يا عبد الله! اتق الله في نفسك، راقب الله، فالرب قادر على أن يقنع أبويك، وقادر على سحب النعمة منك، وإبدالها عذاباً عليك، فاتق الله في جيرانك، ولا تؤذ جيرانك، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارة جارتها، ولو فِرْسِنَ شاة) أي: ولو حافر شاة وهو ما بين ركبة الشاة إلى الحافة، وهو من البقر بمنزلة الكوارع، فلا تحقرن جارة جارتها ولو أن تهدي لها مثل هذه الهدية الحقيرة.