لا تكثر من المجالسة مع الناس؛ فإن فضول المجالسات من ورائها الشرور، وطول المجالسات مع الناس حتى مع الزوجات والأولاد يجرك إلى الإثم، ويجرك إلى القيل والقال، ألا ترى إلى الصحابي الكريم حنظلة لما خرج ذات يوم يشكو أمره إلى رسول الله، فقد خرج من البيت منكراً لقلبه لا يرضى عن حال قلبه، فلقيه أبو بكر فقال: إلى أين يا حنظلة؟ قال معترفاً ومقراً بذنبه: نافق حنظلة قال له: ولم ذاك؟ قال: يا أبا بكر: نكون عند رسول الله عليه الصلاة والسلام فيحدثنا عن الجنة والنار كأنها رأي عين، فإذا خرجنا ورجعنا إلى بيوتنا عافسنا الأزواج، وعافسنا الضيعات والأولاد، فنسينا كثيراً مما ذُكرنا به.
فقال أبو بكر: وأنا والذي نفسي بيده، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لو تدومون على ما أنتم عليه عندي من الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن -يا حنظلة - ساعة وساعة) فيا ليتنا وقفنا مع حديث رسولنا ساعة وساعة، ولكننا أضعنا الساعات كلها مع الأهل والأصدقاء والخلان والأقارب، ولم نترك ساعة نخلو فيها بربنا نعترف له بذنوبنا، ونرجع إليه من معصية اقترفناها.
فيا عبد الله: فضول المجالسة وفضول المخالطة تجلب لك هموماً، وتجلب لقلبك قسوة، فلا تضييع كل وقتك مع الناس في المجالسات، بل عليك أن تخلو بربك أحياناً طويلة، فهذا شأن الأنبياء وأهل الفضل والصلاح، وكل كان يفعل ذلك، كل كان يتفرغ ويفرغ شيئاً من وقته لمناجاة ربه ولمراجعة ذنبه، فالخليل إبراهيم اعتزل قومه اعتزالاً، ومريم انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، ورسولنا محمد حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وفي حديث رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
ألا فلتخلون بنفسك مع ربك، واذكر قول القائل: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب فاخل بربك، واستغفر ربك إنه كان غفاراً، ودعك من كثرة المجالسات مع الناس، وجالس الكتاب العزيز، وجالس سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فقد تندم كثيراً على كلمة تكلمت بها مع البشر، ولكنك يقيناً لن تندم إذا تلوت آية من كتاب الله، ولن تندم إذا قرأت حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ألا فاغنموا السلامة يا عباد الله، واسألوا ربكم أن يهديكم لأحسن الأخلاق.