ونذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شهر من هذه الأشهر الحرم ألا وهو شهر ذي الحجة، وفي أفضل يوم فيه، وهو يوم النحر وفي أفضل بقعة من البقاع وهي مكة، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، -ظناً منهم أنه يريد أن يسميه بغير اسمه-، فقال: أليس بيوم النحر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أتدرون أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم -ظناً منهم أنه يريد أن يسميه بغير اسمه-، قال: أليس بذي الحجة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أتدرون أي بلدة هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليست البلدة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! -يعنون البلدة التي قال الله فيها: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91]-، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذه، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه سمع).
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حرمة الدماء وحرمة الأموال وحرمة الأعراض عظيمة عند الله كحرمة البلد الحرام، مع حرمة يوم النحر، مع حرمة شهر ذي الحجة.
إذاً فلنتناول في ليلتنا هذه شيئاً مما تضمنه هذا الحديث، ومما تضمنته هذه الوصية الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نتناول داءً عضالاً ألم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ألم بكبيرها وبصغيرها، ألم بذكرانها وإناثها، ألم بعالمها كما ألم بجاهلها، ألم برؤسائها كما ألم بالمرءوسين، ألا وهو داء الغيبة أعاذنا الله وإياكم منه.
هذا الداء به قطعت أواصر المودة والمحبة بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجلبت الشحناء، وجلبت البغضاء، وذهبت حسنات أناس سدى، أناس اجتهدوا في الصلوات واجتهدوا في الصدقات، واجتهدوا في الحج والاعتمار، وضيعوا الحسنات باغتيابهم للمؤمنين والمؤمنات.