تأتي بين الأوامر بالطاعة والأوامر بالمعصية أوامر أخرى فيها نزاع بعض الشيء بين أهل العلم، فمثلاً: إذا أمر الأب ولده بتطليق زوجته، هل يطيع الولد والده في تطليق الزوجة أو لا؟ وكذلك إذا ما أمر الوالد ولده بالزواج من فتاة بعينها، هل عليه أن يطيع والده في الزواج بها؟ وكذلك إذا ما أجبرت الفتاة على أن تتزوج رغماً عنها هل تفسخ عقود الأنكحة؟ هذه مباحث نتعرض لها على وجه السرعة.
فإذا كان الأب صالحاً ومقصده مقصداً شرعياً في أمره بتطليق الزوجة لرؤيته لها تخالف أوامر الله، وتخالف أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الباعث له على الأمر بتطليقه هذه المرأة هو الوقوف على حدود الله؛ فيسمع له حينئذٍ ويطاع، قال ابن عمر: (كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان عمر يبغضها، فذهب وشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي: أطع أباك؛ فطلقتها) وبهذا أوصى الخليل إبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل صلى الله عليه وسلم، أن يغير عتبة بابه، ألا وهي تلك المرأة التي كانت متسخطة لأقدار الله غير مستبشة بالأضياف وغير مكرمة لهم، فأوصاه أبوه بأن يغير عتبة بابه.
أما إذا كان الباعث للوالد على الأمر بتطليق المرأة هو عفتها وتحجبها وعدم اختلاطها بأبناء البنين، فلا يسمع له ولا يطاع؛ حينئذٍ فإن في السمع والطاعة له نوعاً من أنواع الشر، ونوعاً من أنواع الفساد، والله لا يحب الفساد، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
فهذا بالنسبة لمسألة التطليق.
أما بالنسبة لمسألة التزويج، فهل للأب أن يتدخل لتزويج ولده أم أنه ليس له الحق في ذلك؟ له الحق من جانب، وليس له الحق من جانب آخر، ليس له الحق في أن يفرض على ولده الزوجة التي يريدها، وقد ينفعل الأب أو ينجذب تجاه من يحب وليس الشخص مكلفاً بما يحب غيره، بل القلوب مردها إلى الله سبحانه وتعالى، لكن للوالد أن يشير، قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (زوجني أبي من امرأة لها منصب وجاه فكان يتعاهدها فيسألها عن حالها مع زوجها، فقالت: والله ما كشف لنا ثوباً منذ أن دخلنا عليه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فذكر الحديث وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولكني أنام وأرقد وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني)، وفي الحديث: (وإن لأهلك عليك حقاً) أو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليس للأب أن يجبر ابنته بحال من الأحوال على أن تتزوج بشخص لا تريده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، قيل: إنها تستحي يا رسول الله! قال: إذنها صماتها) وقالت خنساء بنت خدام: (زوجني أبي بابن عم لي ليرفع به خسيسته، وأنا كارهة، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحي).