ابتلي النبي عليه الصلاة والسلام بالذي ابتلي به يوم أحد، ولم يكن أمراً عند المسلمين متوقعاً، فلم يكن متوقعاً عند أهل الإيمان الذين أقروا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة أن يدال عليهم أهل الكفر، وأن يغلبهم يوماً ما أهل الكفر، لكن قدر الله وما شاء فعل، ابتلي المسلمون -ببعض ما قدمت أيديهم- بأن يدال عليهم عدوهم، ابتلي المسلمون يوم أحد بقتل أفاضل كرام، فقتل حمزة عم رسول الله، الشجاع المقدام الذي هو أسد الله بوصف رسول الله له، وتأتي امرأة آنذاك شريرة مفسدة كافرة بسكين فتبقر بطنه وتستخرج الكبد تلوكها بلسانها، وتجدع من حمزة الأنف، تقطع الأنف بالسكين، وتقطع أعضاءه وتمثل به تمثيلاً شديداً، وحمزة هو من؟ حمزة عم رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولا يقف الأمر على ذلك، بل رأس النبي الكريم عليه الصلاة والسلام شج، ونزف منه الدماء، وتأتي فاطمة عليها السلام بماء تغسل به الرأس الكريم لإزالة أثر الدماء فلا يزداد الدم إلا انصباباً من رسولنا محمد، ولا يسكن الدم، حتى تأتي بحصير وتحرقه وتأخذ رماده وتسد به جرح النبي عليه الصلاة والسلام.
وليس هذا فحسب بل تكسر رباعيته وهو الصادق المصدوق سيد الناس يوم القيامة، فسيد ولد آدم، تكسر رباعيته عليه الصلاة والسلام! ولا يقف الأمر عند هذا بل يقف كافر عند ذاك فيقول متطاولاً ظالماً باغياً: (اعل هبل).
أي: صنم هبل ارتفع يا هبل، ارتفع يا هبل فقد ارتفعت، كذا يزعم، ويقول: (لنا العزى -أي: لهم الصنم العزى- ولا عزى لكم).
كل ذلك يفعل في خير القرون مع خير الرسل مع سيد ولد آدم، وسيتعجب أهل الإسلام فيقولون: أنّى هذا؟! كيف يحدث هذا؟! كيف يكون هذا؟! كيف يدال أهل الشرك وأهل الظلم على المسلمين؟! من أي وجه أتانا هذا؟! فيقول تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، أنتم الذين تسببتم لأنفسكم، بمعصية بعضكم للنبي عليه الصلاة والسلام.
فيستفاد من ذلك درس، وهو أن المعاصي لها شؤم -والعياذ بالله- حتى مع خير القرون، إنها تسبب البلاء، إنها تسلط عليك العدو الباغي الأثيم، إنها تحرم الأرزاق كما حرم آدم سكن الجنة بسببها، وكما كشف عنه ستره وغطاؤه، وانكشفت عورته وطفق يستر نفسه بورق من ورق الجنة بسبب معصيته إلى أن تاب الله عليه.
لقد تلقى المسلمون دروساً من غزوة أحد، فعلينا أن نستفيد منها نحن ونتعلم، والأمر كما قال هرقل وقد سأل أبا سفيان بن حرب عن نبينا محمد قبل أن يسلم أبو سفيان بن حرب قال له: هل حاربتم هذا الرجل؟ قال: نعم حاربناه، قال: كيف كان قتالكم إياه؟ قال: الأيام بيننا دول والحرب بيننا سجال، ينال منا وننال منه، قال هرقل -وكان كافراً لكنه كان حكيماً-: وهكذا الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة.
إذاً: لقد تلقى المسلمون من غزوة أحد دروساً نافعة جداً، فرغم ما مسهم من الأذى وما أصابهم من القرح، من الله عليهم بمنن لا يأتي عليها الحصر من وراء هذه الغزوة المباركة، فقد علموا أنه لابد من إعداد العدة للكفار، عدة إيمانية وعدة كذلك من العتاد، كما قال تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:121].