أيها الإخوة: إن الابتلاءات تفرز حكماً لم نكن ندركها إلا بهذه الابتلاءات، فلقد أفرز حادث الإفك الأليم حكماً وغايات لا يأتي عليها الحصر، ذكر العلماء منها مائة فائدة، منها: - إحسان الظن بأهل الإسلام {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:12 - 13].
فليست كل شائعة يطعن بها في عرض وينال بها من مسلم تصدق؛ كلا، بل يلزمنا الظن الحسن بإخواننا أهل الإسلام {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:12] وكما قال تعالى في شأن هذا الحادث {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11]، إن الصديقة بنت الصديق نالت إمامة بسبب هذا الحادث.
- وكذا الابتلاءات تنال بها الإمامة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]، إن الصديقة عائشة نزل في شأنها قرآن يتلى في المحاريب ويحفظ في الصدور، ويدرس في الكتاتيب، وفوق ذلك هو ثابت بين دفتي المصحف إلى أن يأتي أمر الله، ثابت ثناء الله عليها وتبرئتها في هذا الكتاب العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11]، وكذا ثابت في شأنها {َالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] كله ثناء على عائشة.
- استفيد من هذا الحادث رغم مرارته إقالة عثرة ذوي العثرات وذوي الهيئات، إذ أن الله تبارك وتعالى قال: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، فالصبر الصبر.