الصدق -يا عباد الله- سبب للبركة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)، فإن قلت للمشتري: سلعتي فيها من العيوب كذا وكذا وكذا وبينت له بارك الله في بيعكما، واعلم أن بيانك له العيب لن يمنع رزقاً ساقه الله إليك أبداً، فرزقك مكتوب لك وأنت في بطن أمك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به عبد الله بن مسعود عنه: (ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)، فرزقك مكتوب وأنت في بطن أمك، فلا تظن أبداً أن الصدق -الذي هو طاعة لله سبحانه وتعالى- سيسبب لك نقصاً في الرزق، ولا تظن هذا الظن السيئ أبداً، بل على العكس، فالصدق بركة والكذب ممحق للسلعة مذهب للبركة، والذي يخبر بأن البركة ستحل هو رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما).
ومن الناس من يغش في كل شيء، حتى إن بعضهم عند بيعه البقرة ونحوها يخزن اللبن في ضرعها ثلاثة أيام حتى يوهم المشتري أنها غزيرة اللبن، وأقوام آخرون عند بيعهم الدجاج يطعمونه طعاماً مليئاً بالملح حتى يشرب الدجاج ماءً كثيراً فيزن وزناً أكبر، فصور الغش والخداع لا تنتهي، ومن صور الغش، من يتاجر في اللبن فيخلط اللبن البقري بغيره ويغش الناس ويقول: أنا أبيعه بالبنط.
والعامي لا يفهم البنط، وإنما يذهب العامي يشتري على أنه لبن من لبن أهل بلده فإذا به مغشوش، والبائع يقول: أنا أبيعه بالبنط ويحترف النصب على الناس.
فيا عباد الله: كلٌ يتفنن كيف يصل إلى المال عن أي طريقٍ حلالٍ أو حرامٍ، ولا يهمه إلا جمع أكبر قدر من المال، ويحتال بأي حيلة، ويلتمس أي سبب يخادع به نفسه، ويغش به نفسه أولاً، وماذا يضير المشتري إذا شرب لبن بقر مخلوط بغيره؟! لكن أنت -يا غشاش- ستقف بين يدي ربك عز وجل، ويسألك: لماذا غششت العباد؟ ويؤخذ من حسناتك إلى إخوانك، ويطرح من سيئات إخوانك عليك؛ لأمر قد تراه يسيراً.