أيها الأحبة! هنا تساءل خطير وهام، يصرخ به كل شباب الأمة في كل بقاع الدنيا: ما الذي غير الأمة إلى هذا الحال؟ ما الذي حول الأمة إلى هذه الحالة المزرية من هذا الضعف والذل والهوان والعار؟ والجواب في كلمات حاسمة قاطعة، من قول ربنا جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] ورب الكعبة لقد غيرت الأمة وبدلت -أيها الأحباب- وحرفت منهج ربها في جانب العقيدة في جانب العبادة في جانب الأخلاق في جانب التشريع في جانب الاتباع في جانب المعاملات والسلوك.
غيرت الأمة كثيراً كثيراً، وابتعدت عن كتاب ربها وعن سنة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، حتى وصلت إلى هذه الحال المزرية التي نراها عليها الآن.
ولكن لا أريد أن أسكب القنوط واليأس في قلوبكم، وإنما أريد أن أشخص الداء حتى وإن كان مراً بطعم الحنظل؛ لنستطيع بعد ذلك أن نحدد الدواء النافع لأمراض هذه الأمة التي استشرت.
أقول: بالرغم من كل هذا شاء الله جل وعلا وهو الحليم الكريم اللطيف الخبير شاء الله عز وجل في هذه الأيام التي تجمعت فيها الأحزاب وكل جاهليات الأرض مرة أخرى، للقضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين، شاء الله جل وعلا أن يبزغ في الأفق نور يشرق، وأمل يتجدد، أضحى حقيقة كبيرة لا تنكر، بل وأفزعت هذه الحقيقة المشرقة العالم بأسره، وكيف لا وهي أكبر حدث إنساني في السنوات الأخيرة من القرن العشرين؟! ها نحن نرى يا شباب الإسلام! صحوة عالمية مباركة لا في مصر وحدها، ولا في البلاد الإسلامية وحدها، بل في جميع بقاع الدنيا، في جميع أنحاء العالم.
رأينا هذه الصحوة في قلب قلعة الكفر أمريكا.
رأينا هذه الصحوة في كندا وفي أقصى الدنيا.
رأينا هذه الصحوة في فرنسا، وها نحن نرى بحمد الله جل وعلا كوكبة كريمة وثلة مباركة عظيمة من شباب في ريعان الصبا، وفتيان في عمر الورود، تلكم الكوكبة التي بدأت تتنزل بحمد الله في كل بقاع الدنيا كتنزل حبات الندى على الزهرة الظمأى، والأرض العطشى، أو كنسمات ربيع باردة عطرتها وطيبتها أنفاس الزهور، تلكم الكوكبة التي جاءت بعد بدر والقادسية واليرموك وحطين، جاءت في كهولة من الزمن لتعيد الإسلام غضاً طرياً، ولتمضي على تاريخ الدعوة الطويل الضارب في شعاب الزمان، من لدن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
جاءت لتمضي على ذات الطريق مستقيمة الخطى، ثابتة الأقدام، تجتاز الصخور والأشواك والحجارة، تجول هنا وتتمزق هنا ولكن الركب الكريم في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا يحيد؛ لأنه على ثقة مطلقة بنهاية الطريق، وبأن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين.
أيها الأحباب! أقول بقلب يملؤه اليقين، وبلغة يحدوها الأمل: بدأت الأمة تصحو من جديد، وليس معنى ذلك أن الأمة بجميع أفرادها صحت.
أيها الأحباب! إن كان شيوخنا وعلماؤنا هم عقول الأمة التي تفكر فإن شبابنا وأبناءنا هم سواعد الأمة التي تبني وتعمر، ولا يمكن على الإطلاق لعقل أن يأتي مجرداً دون أن يمشي على قدميه، ودون أن يتقوى بساعديه.
أقول: إن البداية الصحيحة أننا نرى كثيراً من شباب الأمة وفتيات الأمة قد عادوا إلى الله جل وعلا، فسمعنا آهات التائبين العائدين إلى الله جل وعلا تردد: آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون.
ها نحن نرى ونسمع الأصوات قد ارتفعت مرة أخرى، نسمع أصوات أبناء الطائفة المنصورة التي لا يخلو منها زمان ولا مكان بموعود حديث رسول الله، كما في حديث في صحيح مسلم من حديث معاوية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) نسمع الآن أصوات الشباب لا في مصر وحدها بل في جميع أنحاء الدنيا، هذا الشباب الذي بدأ يصرخ ويقول: أين الحل أين طريق الخلاص؟ والجواب يا شباب الصحوة في كلمات قليلة حاسمة، طريق الخلاص أن تعود الأمة من جديد إلى ربها إلى الإسلام بكماله وشموله بفروعه وأصوله، فهو مصدر عزنا الذي قال عنه فاروق الأمة عمر: (لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
هذه هو طريق الخلاص الذي يجب أن يكون محفوراً في القلوب والعقول إلى درجة اليقين -وأعداء الأمة يعلمون هذا- الطريق، فلا بد أن نعلم أن طريق الخلاص هو أن تعود الأمة بكليتها إلى الإسلام بكماله وشموله، بفروعه وأصوله، وأن تحول الأمة من جديد هذا الإسلام إلى منهج حياة كما حوله الرعيل الأول إلى منهج حياة، فحولهم الله بذلك من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الأمم.