ولخطر هذه القضية، تضافرت أدلة القرآن والسنة النبوية على بيانها، وهذا هو عنصرنا الثاني: أدلة القرآن والسنة.
تدبروا معي قول رب الأرض والسماوات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:51]، نداء لمن آمن بالله ووحده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]، هذا كلام ربك! قال حذيفة بن اليمان أمين السر النبوي: فليحذر أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري! لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] قال شيخ المفسرين الطبري في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] قال: أي: من تولى الكافرين، من اليهود والنصارى، ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، وقال الإمام القرطبي في كتابه (الجامع لأحكام القرآن الكريم) في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] أي: من تولاهم ونصرهم على المسلمين فحكمه حكمهم في الكفر والجزاء.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51]، وها أنتم قد رأيتم بأم أعينكم الولاية بين الكفر تتجدد الآن على أرض فلسطين، فالكفر ملة واحدة، ولقد بح الصوت في تفصيل هذه الحقائق، ضحكوا علينا في أول إعلان الحرب على الإسلام في أفغانستان، بأنه ستقام دولة فلسطينية في أرض فلسطين! وهذه خدعة، وهذا ضحك على أصحاب اللحى، لكنهم إن حققوا ما أرادوا، سيقلبون علينا ظهر المجن، إنهم يستخفون بالأمة، ويتلاعبون بزعمائها وأفرادها بلا استثناء، وها نحن نرى أن المسلمين في فلسطين هم الإرهابيون! فمنظمة حماس منظمة إرهابية! ومنظمة الجهاد الإسلامي منظمة إرهابية! أما شارون فهو حمامة من حمائم السلام!! أما اليهود فهم حمائم السلام! أما بوش فهو الذي يحمل السلام لكل من في الأرض!! وهو منبع الشر في الأرض، وهؤلاء هم أصل الشر في الأرض، فالكفر ملة واحدة، متى ستعي الأمة هذه الحقيقة؟! متى ستصدق الأمة ربها؟ متى ستصدق الأمة نبيها؟! والله إن القلب ليتفطر، والله إن الكلمات لتتوارى خجلاً وحياءً، وقد قلنا هذا ألف مرة! لكن نصرخ في صحراء مقفرة، من يسمع هذه الأمة عن الله؟! وعن الصادق محمد صلى الله عليه وسلم؟! متى ستصدق الأمة أن الكفر ملة واحدة؟! وأن الكفر لا يمكن أن ينصر توحيداً، وأن الشرك محال أن ينصر إيماناً، اللهم إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط! اللهم إلا إذا استخرجنا من النار المشتعلة المتأججة، الماء العذب الزلال! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].
وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى} [البقرة:120]، إذاً: فلا تنتظروا هذه اللحظة، ولو جلسوا على مائدة المفاوضات كل يوم، فاليهود لا يعرفون وفاء لعهد، ولا وفاء لوعد، إن قلوبهم تغلي على الإسلام وأهله، وأنا لا أنطلق لتأصيل هذا الكلام من مؤامرة عدائية على حسب تعبير العلمانيين، وإنما هذه حقائق قرآنية ونبوية، فلا يحدثك عن القوم مثل خبير: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى} [البقرة:120] إلا بشرط واحد {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:118]، يريدون لكم العنت، يريدون لكم المشقة، {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران:118]، فالآن تهديد صريح للعراق بأنها دولة تأوي الإرهاب، والصومال -الذي لا يجد أهله لقمة الخبز- دولة تأوي الإرهاب! وصارت كلمة الإرهاب كلمة ممزوجة، يعلن الحرب بسببها على الإسلام في كل بقاع الأرض حتى في الفلبين، وهم أصل الإرهاب في الأرض: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118]، هل ضاعت عقولنا إلى هذا الحد؟! هل غيبت عقول الأمة إلى هذا الحد؟! الله سبحانه يظهر لنا ما في صدور القوم، ماذا نريد بعد ذلك؟! يقول تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} [النساء:138] بشارة للمنافقين، إنه التوبيخ والتبكيت، كما في قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49]، فالله سبحانه يقول: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:138] من المنافقون؟ بنص القرآن: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:138 - 139]، اسمع لقول ربك: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} [النساء:139]، سبحان الله! والله أشعر بأن هذه الكلمات لنا ولواقعنا وزماننا، {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} [النساء:139]، بل العزة لله جميعاً، إن العزة لله سبحانه ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين الصادقين، أتبتغي الأمة العزة عند الكفر؟! أتبتغي الأمة العزة في الغرب؟! هاهي شربت كئوس الذل أشكالاً وألواناً! هاهي صفعت بل ضربت بالنعال! فمتى سترجع الأمة إلى الكبير المتعال، وإلى دين سيد الرجال صلى الله عليه وسلم؛ لتذوق من جديد طعم العزة وحلاوة الكرامة؟!! قالها عمر: (لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
لقد ابتغت الأمة العزة في الشرق الملحد تارة فأذلها الله، وابتغت العزة في الغرب الكافر تارة فأذلها الله، وابتغت العزة في الوسط الأوربي تارة فأذلها وأخزاها الله، ولن تذوق معنى العز وحلاوة الكرامة إلا إذا عادت إلى دين الله لتنصره بكل غال ونفيس.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]، أمر عجب!! تعلمون عداوتهم لله، وتعلمون عداوتهم لرسول الله، وتعلمون عداوتهم للدين والمسلمين، ومع ذلك تسرون إليهم بالمودة بالمحبة! تنصرون مناهجهم، وتنصرون أفكارهم، وتنصرونهم بالقول وباللسان وبالجرائد والمجلات والفضائيات والإعلام!! عزف على وتر التقديس والتمجيد لمناهج هؤلاء المجرمين! وإن انبرأ رجل ليتحدث: تراه -ورب الكعبة- يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، يا أخي! أنا أشعر وأنا أتحرك للدعوة في ظل هذه الظروف بضغط شديد على كل من يريد أن يجسد الحقيقة حتى ولو بصورة مهذبة! والله سبحانه وتعالى يبين لنا صدور القوم ونفسياتهم في آيات كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها، فهذا فيه الكفاية.
ويقول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الطبراني والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بسند حسنه الألباني رحمه الله، قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله)، فأصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره: (أن جريراً رضي الله عنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابسط يدك يا رسول الله! لأبايعك، واشترط علي فأنت أعلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبايعك على أن تعبد الله سبحانه وتعالى لا شريك له، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين) انظروا إلى الولاء والبراء: (وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين).