أيها الأحباب! إن مشكلتنا الآن أن كثيراً من أبنائنا وإخواننا قد افتقدوا القدوة في كل ميادين الحياة في الجانب الدعوي وإن كنا نرى المنظرين ونسمع المتحدثين في البيوت فقد افتقدت كثير من البيوت القدوة في كثير من مناحي الحياة، فنحن نحتاج الآن إلى قدوة تشهد لهذا الإسلام بخلقها وسلوكها وقولها وعملها لا إلى منظر سلبي بارد لا يمت تنظيره إلى واقعه أو إلى قوله أو فعله وخلقه بأدنى صلة.
مشى الطاوس يوماً باختيال فقلده شكل مشيته بنوه فقال: علام تختالون قالوا بدأت به ونحن مقلدوه وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه أنا لا أريد أن أطوف بحضراتكم في بستان النبي الماتع، فهذا الأمر يحتاج إلى سنوات ورب الكعبة، ولكنني فقط أردت بهذا العنوان وسط هذه الفتن الهائجة والأمواج المتلاطمة أن أقف بحضراتكم في هذا البستان الماتع وقفة متأنية في كيفية تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس؛ لأننا قد افتقدنا الآن فن التعامل مع الخلق، وقد قلت لحضراتكم بالأمس: قد يكون الحق معنا -و (قد) هنا للتحقيق- لكننا لا نحسن أن نشهد لهذا الحق على أرض الواقع، ولا نحسن أن نشهد لهذا الحق عرضاً للناس على منهج النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة، وقد يكون الباطل مع غيرنا، لكنه يحسن أن يلبس الباطل ثوب الحق، ويحسن أن يوصل بالباطل إلى حيث ينبغي أن يصل الحق، وحينئذ ينزوي حقنا ويضعف -كما هو الواقع- وكأنه مغلوب، وينتفخ الباطل وينتفش كأنه غالب، وهنا نتألم لحقنا الذي ضعف وانزوى، وللباطل الذي انتفخ وانتفش، فنعبر عن هذا الألم بصورتين لا ثالث لهما: إما أن نعبر عن ألمنا تعبيراً ساكناً صامتاً سلبياً، فنزداد هزيمة نفسية على هزيمتنا وانعزالاً عن المجتمع والعالم، وإما أن نعبر عن ألمنا هذا تعبيراً صاخباً متشنجاً منفعلاً دموياً انفلت من القواعد الشرعية القرآنية والنبوية، وهنا تكثر الأخطاء وتكثر التجاوزات، وحينئذ نخسر الحق للمرة الثالثة بل للمرة الألف؛ لأن أهل الأرض في الأرض سيزدادون بغضاً للحق الذي معنا، وإصراراً على الباطل الذي معهم، فنخسر الحق الذي من أجله خلق الله السموات والأرض والجنة والنار، ومن أجله أرسل جميع الأنبياء والمرسلين.