الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: وأخيراً أيتها الأخت الفاضلة الكريمة! أزف إليك هذه القدوة، أزف إليك هذه القدوة بعدما حدثنا الآباء، وتحدثنا مع أمهاتنا الفضليات الكريمات، أزف إليك هذه القدوة يا بنت الإسلام يا أصل العز! ويا أصل الشرف! يا من أغظت أعداء الإسلام بحجابك وتمسكك بدينك والتزامك، يا درتنا المصونة! ويا لؤلؤتنا المكنونة! أزف إليك هذه القدوة لتتحدثين بها بين يدي أبيك وأمام أمك إذا ما تقدم إليك الرجل الصالح، تكلمي وتحدثي، فخلقك العزم، وبلسانك الحلم, ولا تستحي أن تعرضي قضيتك بين يدي أبيك وبين يدي أمك.
هذه القدوة يزفها إلينا التاريخ، إنها زوج شريح القاضي، الذي ولاه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة فمكث فيه ستين سنة، وضرب بعدله المثل، له ترجمة طويلة في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي في المجلد الرابع.
يمر عليه الشعبي يوماً، والشعبي هو أعلم التابعين كما قال زيد عن مكحول: أعلم التابعين الشعبي.
يقول: التقى شريح بـ الشعبي فقال الشعبي لـ شريح: كيف حالك يا شريح؟ قال بخير حال، قال: كيف حال أهلك؟ أي كيف حال زوجك؟ فقال شريح: والله يا شعبي! منذ عشرين سنة لم أر من زوجي ما يغضبني قط، قال الشعبي: سبحان الله! وكيف ذلك؟! قال شريح: يا شعبي منذ أول ليلة دخلت فيها على زوجتي رأيت بها جمالاً نادراً وحسناً باهراً فقلت: أصلي ركعتين شكراً لله! يعترف لله بالفضل، ما قال: أقوم لأبحث عن كأس خمر، أو عن شريط قذر نجس، أو عن فيلم أقضي الليلة معه، لا، بل قال: أقوم أصلي ركعتين شكراً لله عز وجل.
يقول شريح: فلما صليت وسلمت رأيت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي أي: أنها دخلت معه في الصلاة لله جل وعلا، فلما انتهينا، وانفض الأهل والأحباب، مددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية! اسمعوا ماذا تقول هذه المرأة، وماذا تقول هذه الزوجة في ليلة بنائها: على رسلك يا أبا أمية، ثم قالت: أحمد الله وأستعينه وأستغفره، وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد: أبا أمية! إني امرأة غريبة عنك، لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكرهه فأتركه.
أبا أمية! لقد كان لك من نساء قومك من هي كفؤ لك، ولقد كان لي من رجال قومي من هو كفؤ لي، أما وقد قضى الله أمراً كان مفعولاً فاصنع ما أمرك الله به: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
الله أكبر! يقول شريح: فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك يا شعبي، فجلست وقلت: أحمد الله وأستعينه وأستغفره وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد: فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك.
أما إني أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا.
قالت: فما تحب من زيارة أهلي؟ قال: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك، قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
يقول شريح: فبت معها بأنعم ليلة، ومكثت عشرين سنة، والله لم أعتب عليها في حياتي إلا مرة واحدة، وأشهد الله أني كنت لها ظالماً! قلت: يا لها من عيشة هانية، يا لها من عيشة هانية راضية، وهكذا تكون المرأة الصالحة التي تراقب الله جل وعلا في زوجها، وتتقي الله تبارك وتعالى في بعلها، هذا هو الزواج، وهذا نداء للآباء ونداء للأمهات ونداء للفتيات ونداء للشباب.
أسأل الله جل وعلا أن يحصن فروجنا، وأن يحصن فروج شباب أمتنا، وفتياتنا وبناتنا، إنه ولي ذلك ومولاه، اللهم حصن فروجنا، اللهم حصن فروجنا، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم يسر لشباب الأمة زواجاً يعفوا به أنفسهم، ويسر لفتيات الأمة زواجاً يعففن به أنفسهن، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.