الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحباب: وتحرياً للأمانة، وحتى تكتمل الفائدة -إن شاء الله تعالى- فما هي الحالات التي يجوز فيها الغيبة؟ ذكر الإمام النووي في شرح مسلم في كتاب البر والصلة أسباباً وأغراضاً شرعية تجوز فيها الغيبة، ولا إثم في ذلك، وقال الإمام النووي: تجوز الغيبة لأسباب شرعية وعدّد هذه الأسباب وقال: أولاً: التظلم: أي يجوز للمتظلم أن يقول: فعل بي فلان كذا وكذا وكذا، لمن يتظلم إليه، هذه واحدة.
ثانياً: يجوز في حالة الاستعانة بتغيير المنكر، بأن يذهب مسلم غيور على دينه إلى أولي الأمر، أو إلى من يتوسم فيهم القدرة على أن يغيروا المنكر، فيذهب إليهم ويقول: لقد فعل فلان كذا وكذا فازجره عن ذلك، هذا أيضاً مباح، وهذا الكلام للإمام النووي رحمه الله، وهذا كلام كثير من أهل العلم غير الإمام النووي.
ثالثاً: الاستفتاء: بمعنى: أن يذهب المستفتي إلى المفتي فيقول: لقد ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا وكذا، فما الذي أفعله لرد هذا الظلم عن نفسي، فهذه حالة ثالثة تباح فيها أن يذكر الإنسان عيوب إخوانه الذين ظلموه، ويستدل الإمام النووي على ذلك بحديث فاطمة بنت قيس -والحديث رواه مسلم - أنها ذهبت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تقدموا لخطبتها فقالت: (يا رسول الله! خطبني معاوية وأبو جهم؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما أبو جهم فرجل لا يضع عصاه عن عاتقه -أي: كثير الضرب للنساء- وأما معاوية فصعلوك لا مال له) هذه أيضاً جائزة ولا إثم في ذلك.
أيضاً من هذا العنصر الثالث تجريح المجروحين من علماء الحديث، كأن يقال: فلان سيئ الحفظ، أو فلان كذوب، وذلك لصيانة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أيضاً من الغيبة المباحة التي لا بأس بها.
رابعاً: تحذير المسلمين من الوقوع في أي شر، كأن يقال: فلان مبتدع، أو فلان كذا أو كذا، فهذا أيضاً جائز لا إثم فيه.
خامساً: تجوز غيبة الفاسق الذي جهر بفسقه، وقد بوب الإمام البخاري باباً في الصحيح بعنوان: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيَب، وقال الحافظ ابن حجر: ويستنبط من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي: ائذنوا له بئس أخو العشيرة هو، فلما دخل الرجل ألان النبي له الكلام، فقالت عائشة: يا رسول الله! قلت ما قلت ثم ألنت له الكلام؟ فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة! إن شر الناس من يدعه الناس اتقاء فحشه).
قال الحافظ ابن حجر: ويستنبط من هذا أنه لا غيبة لمن جهر بالفسق والفساد والمعصية.
سادساً: التعريف، يعني: إن قيل: إن فلان الأصلع، أو الأعمش، أو الأعرج، أو القصير؛ ولكن بشرط ألا يكون ذلك من باب التحقير والتنقص، فإن كان ذلك من باب التحقير والتنقص فإنما هي غيبة محرمة لا تجوز شرعاً، أما إن قيل ذلك على وجه التعريف وليس على وجه التنقص فلا إثم ولا حرج في ذلك.
أسأل الله جل وعلا أن يحمينا وإياكم من الوقوع في المعاصي والزلل، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها، اللهم ارزقنا لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، اللهم طهر ألسنتنا من الغيبة، وأعيننا من الخيانة، وأعمالنا من الرياء، وقلوبنا من النفاق، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اغفر لنا في هذا اليوم المبارك ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا اليوم المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضىً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا ولا منا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم وفق ولاة الأمر لما تحبه وترضاه.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على آله نبينا وحبيبنا محمد وعلى صحبه وسلم.
هذا: وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.