أيها الأحباب: ولما حان أول وقت للصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يرتقي على ظهر الكعبة، ذلكم العبد الأسود الذي كان يعذب على رمال مكة، ويحمل صخورها ملتهبة على صدره بالأمس القريب، هاهو اليوم يرتقي على ظهر الكعبة، وتشخص إليه الأبصار، وتنقطع الأنفاس، وتنحدر الدمعات كحبات اللؤلؤ على وجوه الموحدين، وتبكي الكعبة فرحاً لشروق شمس التوحيد الجديدة، ويخشع الجو ويصمد المكان ما هذا؟ هل هذا حلم؟! رسول الله مع عشرة آلاف موحد في مكة، سيروي الموحدون اليوم ظمأهم من ماء زمزم، سيمتع الموحدون اليوم نظرهم بالنظر إلى بيت الله هل هذا حلم؟ كلا! إنها الحقيقة تتألق كتألق الشمس في رابعة النهار.
ويقطع هذه المشاعر المتداخلة صوت ندي رخيم عذب جميل، إنه صوت الحق، صوت بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه، وهو يرفع صوته بكلمة التوحيد، وبالتكبير لله جل وعلا الله أكبر الله أكبر! الله أكبر الله أكبر! أشهد أن لا إله إلا الله نعم.
فلقد سقطت اليوم كل الآلهة المزعومة المكذوبة، ذهبت وكانت بالأمس القريب تعبد من دون الله، تحطمت اليوم على يد نبي التوحيد صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يحطم الطواغيت والأصنام على أيدي أبناء الموحدين، إنه ولي ذلك ومولاه.
ولكن تحطمت الأصنام ونكست رءوس هذه الآلهة المكذوبة على يد من؟ من الإمام؟ من القائد؟ من الطليعة الخيرة؟ من الهادي إلى الحق؟ يجيب بلال: أشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله وسلم وبارك عليه، ونسأل الله جل وعلا أن يجزيه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وأن يجزي عنا أصحابه الأخيار الأطهار الأبرار الذين أوصلوا إلينا الإسلام على جماجمهم، وعلى أرواحهم وعلى دمائهم وأشلائهم، فنسأل الله أن يقيض للأمة اليوم من يعيد للإسلام مجده، ومن يعيد للإسلام عزه، ومن يعيد للإسلام رايته خفاقة عالية، كما تركها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خفاقة عالية.
وأكتفي بهذا القدر من أحداث فتح مكة، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم أهلاً لنصرة الإسلام وعز المسلمين، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اجعل جمعنا هذا في هذا اليوم الكريم المبارك جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الطيب ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً بيننا إلا شفيته، ولا ديناً على أحد منا إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا طائعاً إلا ثبتَّه، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضىً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، اللهم تقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.