ولقد زكاه الله في عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2] وزكاه في بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] وزكاه في لسانه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] وزكاه في فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] وزكاه في صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] وزكاه في معلمه فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5] وزكاه كله فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
ورد في الحديث الصحيح الذي خرجه الإمام الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع يوماً إلى بعض الناس، وقد جلسوا يتذاكرون في تفاضل الأنبياء فقال أولهم: أتعجبون، لقد اصطفى الله آدم على البشرية، وقال الآخر: لقد اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وقال الثالث: لقد كلم الله موسى تكليماً، وقال الرابع: لقد خلق الله عيسى من روحه، فخرج عليهم رسول الله وقال لهم: (لقد استمعت إلى كلامكم وإلى عجبكم، إن آدم اصطفاه الله على البشرية وهو كذلك) فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينقص ولا يبخس أحداً حقه (وإن إبراهيم خليل الرحمن وهو كذلك، وإن موسى كليم الله وهو كذلك، وإن عيسى روح الله وهو كذلك، ألا وإني حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد الأولين والآخرين ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر) صلى الله عليه وسلم.
لقد أتم الله التكريم للنبي صلى الله عليه وسلم في خَلقه وفي خُلقه، وقد اخترت أن أتكلم معكم عن رسول الله وعن كيفية خُلقه صلى الله عليه وسلم؛ كيف كان شعره؟ وكيف كانت عيناه؟ وكيف كان أنفه؟ وكيف كان فمه؟ وكيف كانت أسنانه؟ وكيف كان صدره؟ وكيف كان ذراعه؟ وكيف كانت بطنه؟ وكيف كانت قدمه؟ عن صفة خلق النبي صلى الله عليه وسلم.
وبداية أطلب منكم أن تعيشوا معي بأرواحكم، حتى تتخيلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا، استمعوا جيداً واستحضروا الحواس والأرواح والقلوب، حتى نصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يقف الآن بين أيدينا وأمام أعيينا؛ لننظر إليه من ناصية رأسه وحتى أخمص قدميه، فنصفه للمسلمين الموحدين الذين يحبونه صلى الله عليه وسلم، والذين يضرعون إلى الله ليلاً ونهاراً أن يجمعهم به في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلى من أتى الله بقلب موحد سليم.