أعظم مرب هو النبي صلى الله عليه وسلم

أيها الحبيب الكريم! وإذا كان المنهج يؤثر بطابع من يتربون عليه فما ظنكم بمنهج هو القرآن الكريم؟! وإذا كان كل تلميذ يقتبس من أستاذه فما ظنكم بقبس من أستاذ هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! إن أعظم مرب عرفته الدنيا هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل أحواله وأفعاله منهج تربية، ومنهج حياة، يجب على المسلمين أن يستقوا منه، وأن يأخذوا من معينه الفياض الذي لا يجف ولا ينتهي بإذن الله جل وعلا، ولذلك ينبغي أن نقف مع السنة.

والله يا أحباب! إن الناس يعشقون العظمة، ويلتفون حولها بدافع من الإعجاب الشديد، وبدافع من الحب العميق، ولكن شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أنها تحب لذاتها فإنها تحب أيضاً لأنه رسول الله مبلغ عن الله، فقد اكتملت فيه صفات العظمة الإنسانية والبشرية فضلاً عن أنه يوحى إليه من ربه جل وعلا، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110] إنه المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا بعد جديد آخر أضفى حباً عميقاً في قلوب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله مهما أوتينا من سحر البيان، وفصاحة اللسان، وعظمة البلاغة والتبيان، فلن نستطيع على الإطلاق أن نعبر أو أن نجسد أو أن ننقل لكم فحوى حب أصحاب النبي له صلى الله عليه وآله سلم! وكيف أستطيع ذلك وقد جاء صحابي جليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول له: (يا رسول الله! والله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي لأنظر إليك)؟! أي حب هذا؟! (وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي لأنظر إليك)! لكن الرجل جاء حزيناً فزعاً، ما سبب فزعه وحزنه؟! قال: (وإذا ذكرت موتك يا رسول الله! علمت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك) فسكت النبي عليه الصلاة والسلام ولم يجبه، فنزل الجواب الندي الرضي من الله جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} [النساء:69 - 70].

والحديث رواه الضياء المقدسي في صفة الجنة وحسنه من حديث عائشة، وصحح إسناده وحسنه أيضاً الإمام الترمذي، ورواه الطبراني في الصغير والأوسط، وقال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله الغامدي وهو ثقة.

فينبغي أن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنه يحب لذاته فإنه يحب لأنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل لما جاء عروة بن مسعود الثقفي ليوقع صلح الحديبية مع رسول الله وقف المغيرة بن شعبة على رأس رسول الله، أي: عند رأسه، وكان من عادة العرب إذا أرادوا التودد والتقرب أن يعبثوا ويداعبوا لحية من يخاطبونه، فمد عروة بن مسعود يده ليداعب لحية النبي عليه الصلاة والسلام، فما كان من المغيرة بن شعبة إلا أن ضرب يده بنعل سيفه وهو يقول له: أخر يدك عن لحية رسول الله قبل ألا تصل إليك، والرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم.

فلما دقق عروة بن مسعود النظر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد إلى قومه ليقول: يا قوم! والله لقد وفدت على الملوك: لقد أتيت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، ووالله ما رأيت أحداً يعظمه أصحابه مثلما رأيت أصحاب محمد يعظمون محمداً! والله إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا الصوت عنده، وإذا تكلموا معه لم يحدوا إليه الطرف تعظيماً له صلى الله عليه وسلم! هذه مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند أصحابه، وهذا الحب أيها الأحباب! هو المفتاح الأول للتربية الصحيحة، وهو الذي يسهل كل صعب بعد ذلك بإذن الله جل وعلا.

ولا أستطيع أن أتوقف أمام المنهج النبوي المتكامل، وأكتفي بهذا المشهد الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وقال عنه الحافظ العراقي: إسناده جيد.

من حديث أبي أمامة، أن شاباً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليستأذنه هل يا ترى للخروج للجهاد في سبيل الله؟! هل يا ترى في الخروج للدعوة إلى الله جل وعلا؟! هل يا ترى للإنفاق في سبيل الله؟! كلا، وإنما جاء الشاب ليستأذن النبي في الزنا! يقول: يا رسول الله! أتأذن لي في الزنا؟! فقام عليه الصحابة وزجروه وقالوا: مه مه! ماذا تقول؟! فقال النبي عليه الصلاة والسلام -المربي الأعظم بأبي هو وأمي-: (ادن واقترب، واقترب الشاب من رسول الله، ونظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمنتهى الرحمة، وقال له: أتحبه لأمك؟! قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم! أتحبه لابنتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم! أتحبه لأختك لعمتك لخالتك؟! قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدر هذا الفتى، ثم دعا له -وهو الذي جاء يطلب الاستئذان للزنا- وقال النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر ذنبه، وحصن فرجه، وطهر قلبه، فخرج الفتى ولم يكن يلتفت بعد ذلك إلى شيء).

إنه المنهج التربوي المتكامل.

أسأل الله جل وعلا أن يجزي عنا حبيبنا ورسولنا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015