ثانياً بإيجاز شديد: المصدر الثاني من مصادر التربية الذي لا يمكن بحال أن يتخلف عن المصدر الأول أو أن يتنكب عنه هو سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الخيار الكرام! إن السنة الكريمة موضحة ومبينة لكتاب الله، ولقد ابتلينا بصنف خبيث زنديق، وهي شنشنة قديمة حديثة! هذا الصنف رفع عقيرته وقال: بعدم حجية السنة وبعدم وجوب الأخذ بها! ورفع شعار: أنه لا نأخذ إلا بالقرآن! وكذب؛ فوالله إنه يوم أن ضيع السنة ضيع معها القرآن؛ لأن السنة لا تنفصم عن القرآن، ففي الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الألباني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)، وفي لفظ: (وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة).
ولقد أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عن هذا الصنف الخبيث الذي ينادي بالقرآن ويهجر السنة، ويعرض عنها، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة والإمام الترمذي وصحح إسناده الشيخ الألباني في المشكاة من حديث المقدام بن معد يكرب أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)، وفي رواية أخرى: (ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله جل وعلا) نعم، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].
وشخصية النبي عليه الصلاة والسلام منهج تربوي كامل بأقواله وأفعاله وأحواله وتقريراته وسلوكه عليه الصلاة والسلام، وكيف لا وقد رباه الله على عينه، وزكاه في كل شيء! وما تركه وما ودعه وما قلاه، زكاه في صدقه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى} [النجم:3]، وزكاه في بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17]، وزكاه في فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11]، وزكاه في صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]، وزكاه في ذِكْره فقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]، وزكاه في طهره فقال: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2]، وزكاه في علمه فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5]، وزكاه في حلمه فقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، وزكاه كله فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
ما ظنكم بمرب هذه صفاته، وتلك هي أخلاقه، يقررها له رب العالمين جل وعلا؟! إن أعظم مرب عرفته الدنيا هو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.