بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا، وأسأل الله الكريم الحليم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله: في رحاب الدار الآخرة، سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، الهدف منها تذكير الناس بالآخرة في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، وانصرف كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ ليتوبوا إلى الله جل وعلا، ويتداركوا ما قد فات قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، وهذا هو لقاؤنا الثالث عشر من لقاءات هذه السلسلة العلمية الكريمة، وكنا قد توقفنا في اللقاء الماضي مع هذا المشهد المهيب الكريم، حينما يأتي الحق جل جلاله إلى أرض المحشر إتياناً يليق بكماله وجلاله، مصداقاً لقوله سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [البقرة:210].
يضع الحق جل جلاله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يقول سبحانه: (يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم وأبصر أعمالكم فأنصتوا اليوم إلي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، وهنا يبدأ الحساب للعباد، وهذا هو موضوعنا اليوم مع حضراتكم بإذن الله جل وعلا، وكما تعودنا فسوف ينتظم حديثنا مع هذا المشهد الرهيب المهيب في العناصر التالية: أولاً: لا ظلم اليوم.
ثانياً: العرض على الله وأخذ الكتب.
ثالثاً: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
فأعيروني القلوب والأسماع.
والله أسال أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض، ويوم العرض إنه حليم كريم رحيم! أولاً: لا ظلم اليوم: أيها الأحباب الكرام: والله لو عذب الله أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، فهم عبيده في ملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولكنه جل وتعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] وقال جل وعلا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] وقال الله جل وعلا: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ} [آل عمران:108] وقال أيضاً في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة: (يا عبادي! إني حَرَّمْتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا).