إذا نمت على فراش الموت ستتمنى من الله أن تعود إلى الدنيا ساعة واحدة؛ لتعمل فيها عملاً صالحاً لله جل وعلا.
انظر إليه وهو على فراش الموت، وهو صاحب الجاه والمنصب والأموال والسيارات والعمارات والدولارات! انظر إليه على فراش الموت، وقد اصفر وجهه، وشحب لونه، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة (لا إله إلا الله)، فيشعر أن الشفة كالجبل لا تريد أن تتزحزح إلا لمن يسر الله له النطق بلا إله إلا الله! فينظر في لحظة صحوه بين السكرات والكربات الناس من حوله مرة يقتربون، ومرة يبتعدون! ويرى الغرفة التي هو فيها مرة تتسع، ومرة تضيق! وفجأة! يا ترى من هذا الذي أراه يقترب إلي من بعيد، إنه ملك الموت! يا ترى! بأي شيء سينادي علي الآن؟! هل سيقول: يا أيتها الروح الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض غير غضبان أم سيقول: يا أيتها الروح الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وعذاب؟! فإذا أفاق لحظة صحوه بين السكرات والكربات، رأى أهله من حوله، ورأى الأطباء من فوق رأسه، فقال بلسان الحال، بل وربما بلسان المقال: يا أولادي! يا أهلي! يا أحبابي! لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، افدوني بأعماركم، افدوني بأموالي، أنا أبوكم! أنا الذي بنيت لكم القصور، وأنا الذي عمرت لكم الدور، وأنا الذي نمَّيت لكم التجارة، فمن منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين؟! يريد أن يرجع إلى الحياة ساعة، وهنا يعلو صوت الحق: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:83 - 96] يتمنى الرجعة، فيقال له: لا.
قال جل وعلا: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:102 - 108] يتمنى أهل النار أن يعودوا إلى الدنيا؛ حتى لا يعودوا إلى الكفر، ولا إلى المعاصي ولا إلى الظلم أبداً، ولكن هيهات هيهات! يقال لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108].
وقال جل وعلا: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ * حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:97 - 100] اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض.
أيها الحبيب الكريم! اعرف قدر وقتك وشرف زمانك، وحقيقة عمرك، وحقيقة ساعات أيامك، فعد الليلة إلى الله، البدار البدار، قبل فوات الأعمار! واسمع إلى العزيز الغفار، وهو ينادي ويقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم يسر لأبنائنا التوفيق والنجاح يا رب العالمين! ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم أقِرَّ أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقِرَّ أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.