قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] إنها الحقيقة الكبرى التي تصبغ الحياة البشرية بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض.
إنها الحقيقة الكبرى التي تُعلن على مدى الزمان والمكان، في أذن كل حاكم، وكل أديب، وكل مفكر، وكل سامع، أنه لا بقاء إلا للحي الذي لا يموت.
إنها الحقيقة التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً العصاة والطائعون.
إنها الحقيقة التي شهد كأسها الأنبياء والمرسلون.
إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية للحي الذي لا يموت جل وعلا.
أيها الحبيب الكريم: إنها الحقيقة التي أمرنا الحبيب بالإكثار من ذكرها: (أكثروا من ذكر هادم اللذات، قيل: وما هادم اللذات يا رسول الله؟! قال: الموت) والحديث رواه بعض أصحاب السنن من حديث عمر بن الخطاب، وهو حديثٌ حسن.
تذكر
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليلُ
فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويلُ
فلتنزلن بمنزلٍ ينسى الخليل به الخليلُ
وليركبن عليك فيه من الثرى ثقلٌ ثقيلُ
قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليلُ
لقي الفضيل بن عياض رجلاً فسأله الفضيل عن عمره، قال الفضيل: كم عمرك؟ قال الرجل: ستين سنة، قال الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل: هل عرفت معناها؟ قال: نعم عرفت أني لله عبدٌ وأني إليه راجع، قال الفضيل: يا أخي! إن من عرف أنه لله عبدٌ وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوفٌ بين يديه، ومن عرف أنه موقوفٌ عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل! وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال: وما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقي يغفر الله لك ما قد مضى.