ثم ذكر الروضة المعتمة -أو المعتّمة- وهي: البستان العظيم الشديد الخضرة، حتى أنه كاد يسود من شدة الخضرة، كما قال الله تعالى في وصف الجنتين: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64] أي: شديدتا الخضرة، حتى ربما كانتا في اللون كالسوداوين من شدة الخضرة، فالخضرة إذا ازدادت أصبح اللون غامقاً.
فيها من كل زهر ونبت الربيع، أي: من أجمل ما يكون، وبين ظهري الروضة يوجد رجلٌ طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً وحوله ولدان، ثم بيَّن أن هذا إبراهيم الخليل عليه السلام، رآه جميلاً طويلاً وحوله هؤلاء الولدان.
أما أولاد المسلمين فإن البشارة بموتهم لآبائهم أنهم في كفالة إبراهيم وسارة، يكفلانهم لآبائهم وأمهاتهم إلى أن تقوم الساعة، فلو أردت أن تعزي شخصاً في وفاة ولده، فقل له: أيهما أحب إليك: أن يكون ولدك حياً فتكفله أنت أو يكون عند إبراهيم وسارة؟ لأنه قد ثبت في الحديث أن إبراهيم وسارة يكفلان أولاد المسلمين الصغار لآبائهم حتى يعودوا إليهم يوم القيامة، فلاشك أن بقاء الولد في كفالة إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة أفضل وأحسن وأعلى بكثير وبما لا يقارن من بقائه في كفالة أبويه في الدنيا، وربما أجرم أبواه في حقه، أما إذا صار في كفالة الخليل وزوجته فإنه يكون في أحسن ما يكون، فهذه من البشرى لمن مات له ولد صغير.
وأمَّا بالنسبة لأولاد المشركين فقد تفاوتت أقوال أهل العلم فيهم، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فقال: (وأولاد المشركين) وقال في حديث آخر: (الله أعلم بما كانوا عاملين) فيحتمل أنه كان لم يوحَ إليه شيء بشأنهم، فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ثم أوحي إليه بشأنهم، وفي رواية حسَّنها بعض أهل العلم: (أنهم خدم أهل الجنة) وقال بعض أهل العلم: أنهم يُمتحنون، وقد ذكر هذه المسألة الكبيرة الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب: شفاء العليل وتوسع فيها، ونحن لا يضرنا ماذا يكون مصيرهم لو لم نعرف ذلك؛ لأن الله عز وجل عادل لا يظلم أحداً، فمن صفاته سبحانه وتعالى العدل، وهو العدل.