الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه, وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له, شرع لنا من الدين ما رضي به سبحانه وتعالى، وصلى الله وسلم على محمد بن عبد الله, وأشهد أنه رسول الله، صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والشفاعة العظمى يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: إن ربنا عز وجل قد قال في محكم تنزيله: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا} [المائدة:48] وقال سبحانه وتعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67] أي: عيداً يختصون به, ولذلك فإنه لايجوز لنا مطلقاً أن ندخل في أعيادهم ونحضرها ونهنئهم بها, أو نقبل تهنئتهم لنا بأعيادنا, وكذلك ليس لنا أن نشاطرهم فرحة، ولا أن نشاركهم بهدية، ولا أن نهنئهم تهنئة، ولا أن نقبل منهم تهنئة, ولا أن نحضر لهم مجلساً لعيدهم أبداً, لأنه رمز كفرهم، وقضية الأعياد، قضية عقدية دينية وليست قضية عامة من قضايا العادات والتقاليد, وإن ظن ذلك بعض من لا علم لديه.
عباد الله: إن المسلم الغيور ليحذّر أهله وأطفاله من أي نوع من أنواع الفرح أو المشاركة بأعياد أولئك القوم, ونحن نعلم أننا في آخر الزمان، وأن طغيان الكفرة قد حصل, ورقة الدين عند المسلمين قد حصلت, ولكن لا يجوز لنا الاستسلام أبداً, لقد ألف علماؤنا الكتب الكثيرة في بيان تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم -كتباً مستقلة أو فصولاً في كتب- وقد ألف شيخ الإسلام رحمه الله كتابه العظيم، إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم , وألف الذهبي رحمه الله رسالته: تشبيه الخسيس بأهل الخميس ويقصد بأهل الخميس أولئك الضلاّل من النصارى الذين يحتفلون به، وما حدث من تشبه بعض المسلمين بهم في ذلك المقام.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه بعد أن عد أموراً من احتفالاتهم: وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلي ببعضها، وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله -ويقصد الدين المحرف طبعاً- ولست أعلم جميع ما يفعلونه، وإنما ذكرت ما رأيت من المسلمين يفعلونه وأصله مأخوذ عنهم.
وبعض أعيادهم تحول في العصر الحاضر إلى اجتماع كبير له بعض خصائص عيدهم القديم، يشارك كثير من المسلمين في ذلك دون علم, أعياد مأخوذة من الكفرة، كأولمبيات اليونان، ومهرجانات الفرس، وكثير من المسلمين يتشبهون في قضية المهرجانات بتلك الأعياد المجوسية، مع أن هذه اللفظة جاءت من قبل أولئك المجوس الكفرة، هي أعيادهم يطلقون عليها مهرجانات.
وكما قلنا -أيها الإخوة- فإن أولئك النصارى الذين قد أعدوا العدة لاحتفالهم الكبير في هذا الوقت قد ملئوا الدنيا ضجيجاً, ويريدون منا أن نشاركهم باسم الإنسانية تارة، وباسم العولمة تارة وباسم الكونية تارة، وباسم التآخي بين الأديان تارة، وباسم الانفتاح على الطرف الآخر وتلقي ثقافته تارة, وباسم السِلم العالمي تارة، وباسم الملة الإبراهيمية تارة، وهكذا يريدون أن يضيعوا تميّز المسلم بعقيدته, يريدون أن يفقدونا المبدأ المذكور في قوله تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42] فيريدون منا أن نضيع البينة، وأن نفقد البينة وأن نغتر وننخدع.
إن هذه الاحتفالات التي ستنقل بالصوت والصورة الحية من أقصى الأرض إلى أدناها ستقوم بها وسائل إعلامهم، وهي أقوى وأقدر مما عند المسلمين بكثير, وستشارك في ذلك القنوات الفضائية، ستنقل مناسبات الكفر كعيد ميلاد المسيح الذي يسمى بالكرسميس في الخامس والعشرين من ديسمبر، وبعده بقليل عند الأقباط, يجددون فيه الذكرى بزعمهم، ويقدمون الهدايا في العيد، كانوا يسمونها باسم القديس نيكولس ثم حَلَّ البابا نويل محل القديس نيكولس، فتنتشر هدايا الأطفال في المتاجر والمحلات ويُدخلها المسلمون.
أطفالهم يعرفون جيداً من هو بابا نويل وهداياه فلا حول ولا قوة إلا بالله, ونصارى فلسطين من القديم يجتمعون ويتجاورون ليلة عيد الميلاد في بيت لحم؛ لإقامة قدّاس منتصف الليل, ومن شعائرهم احتفالهم بأقرب يوم أحد ليوم الثلاثين من نوفمبر, وهو عيد القديس أندرواس بزعمهم, أول أيام قدوم المسيح عليه السلام عندهم, ويصل العيد ذروته بإحياء قداس منتصف الليل، وتزين الكنائس، ويغني الناس أغاني عيد الميلاد، تباً لهم يدخلون المعازف وآلات اللهو في دور عبادتهم، ويتقربون إلى الله بزعمهم بالأغاني والموسيقى والاعتقادات الباطلة, كإحراق كتلة من جذع شجرة عيد الميلاد.
ثم يحتفظون بالجزء غير المحروق, يقولون: إن ذلك يجلب الحظ, وعيد رأس السنة تحتفل به الطوائف عندهم، تنقل الاحتفالات وستستحوذ على معظم الأخبار والبرامج التي تبث، والنصارى في تلك الليلة لهم خرافات كثيرة, وهم الذين يوصفون بصناع الحضارة الحديثة، ولكن يقولون: الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ، وإن كان عازباً فسيتزوج الأول من رفاقه في تلك السهرة.
ومن الشؤم دخول منزل ما يوم عيد رأس السنة دون أن يحمل المرء هدية، ويعتقدون بأن كنس الغبار إلى الخارج ليلة يوم رأس السنة يكنس معه الحظ السعيد, وأن غسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم, وغير ذلك من الاعتقادات الباطلة.