أما ما يجب على الظالم فإنه ينبغي عليه أولاً أن يتقي الله تعالى ويحذر من الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وليس ظلمةً واحدة.
الظلم ظلمات يوم القيامة؛ بمعصية الظالم لربه، وظلمه لأخيه، وفتح باب الظلم للناس.
الظلم ظلمات لأنه ربما يمرض المظلوم؛ بل قد يموت كمداً وقهراً.
فعلى الظالم أن يتقي الله تعالى.
انظروا ماذا كان يفعل عمر رضي الله عنه الذي حمى أرضاً للمسلمين من أراضي أهل المدينة؛ سوَّرها وحماها، وجعلها محمية لأجل مصلحة المسلمين لرعي إبل الصدقة وإبل بيت المال وشياه بيت المال التي تُؤخذ من أصحاب بهيمة الأنعام من الزكوات، وكذلك خيل الجهاد في سبيل الله، وجعل هذه المحمية مصلحة لعموم المسلمين، ومع ذلك كان يخشى رضي الله عنه، فقد روى البخاري رحمه الله عن أسلم مولى عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يُدعى هنياً على الحمى فقال: [يا هني! اضمم جناحك عن المسلمين -انتبه أيها الغلام القائم على المحمية واكفف يدك عن ظلم المسلمين- واتقِ دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة -أي صاحب القطعة القليلة من الإبل وصاحب الغنم القليلة أدخلهما في المرعى المحمي- وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان -خصهما بالذكر لكثرة أموالهما، والنعم الإبل، وكانا من مياسير الصحابة، فقال للغلام: إذا لم يتسع المرعى إلا لأحد الفريقين فأدخل أصحاب الغنم القليلة والإبل القليلة لأنهم أولى- قال عمر: فإنهما -أي: ابن عفان وابن عوف - إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخلٍ وزرع -عندهما عوض من أموالٍ أخرى- وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه، فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين؛ أفتاركهم أنا لا أبا لك -أتظنني أتركه في تلك الحالة- فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق -فربما يكون هناك مصارف أولى للمجاهدين والبعيدين ونحو ذلك- قال عمر: فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم -بعض الناس يرون أني قد ظلمتهم بأرض المحمية- إنها لبلادهم؛ قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله -فهو يحتاج إلى أرض المحمية لخيل الجهاد- ما حميت عليهم من بلادهم شبراً] رواه البخاري رحمه الله.
فليتق الله الظالم وليضع نصب عينيه دعوة المظلوم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى معاذاً فقال: (اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) رواه البخاري.
وأخبر في الأحاديث الأخرى أنها ترفع على الغمام، ويقول الله: لأنصرنك ولو بعد حين، ثم على الظالم أن يتحلل من المظلوم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من كانت له مظلمة لأخيه -في عرضه أو شيءٍ غير العرض كالمال وغيره- فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عملٌ صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.
وأوضح ذلك رواية مسلم: (المفلس الذي يأتي يوم القيامة بأشياء كبيرة من العبادات والحسنات، ويأتي وقد شتم هذا ظلماً، وقذف هذا ظلماً، وأكل مال هذا -أي: ظلماً- وسفك دم هذا -أي: ظلماً- وضرب هذا -أي: ظلماً- فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاته، فطرحت عليه، ثم طرح في النار).