هناك أيضاً فيما يتعلق بموضوع المرأة المسلمة على عتبة الزواج موضوع رؤية الخاطب للمخطوبة والمخطوبة للخاطب، ورؤية الخاطب للمخطوبة والمخطوبة للخاطب من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر عليه الصلاة والسلام ذلك الرجل، فقال: (اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) وفي رواية: (اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) وكان في أعين الأنصار شيءٌ من الصغر فأمره أن يذهب فينظر حتى يرتاح لها ويطمئن لشكلها؛ لأن هذا الزواج ليس لعباً وله ما بعده.
وأحياناً تتحكم بعض العادات الاجتماعية في تطبيق هذه السنة، وتصبح الرؤية مستحيلة عند بعض الناس الذين لديهم عادات عجيبة، وتقاليد ليست من الإسلام، فإننا نرى بعض الآباء -مثلاً- مع الأسف لا يمكن أن يسمح للخاطب أن ينظر إلى ابنته أبداً، لكن في نفس الوقت ليس عنده أي مانع أن يأخذ البنت بالسيارة إلى السوق لتمشي في السوق متبرجة أو بغطاء شفاف ينظر إليها الغادي والرائح، سبحان الله! في الحرام لا مانع عندهم أن يرى الرجال الأجانب بناتهم أو أخواتهم، لكن إذا جئنا للحلال وإذا جئنا إلى السنة يقولون: لا يمكن أن ينظر، هذه عاداتنا، وهذه تقاليدنا.
فإذا تأكد الأب أو الولي بأن الخاطب جادٌ وأنه من أهل الصلاح والاستقامة، فإنه لا بد له أن يمكنه من تطبيق هذه السنة ومن تطبيق الأمر الذي جاءت به السنة وهو نظر الخاطب إلى المخطوبة، وعلى فرض أن هذا الأمر لم يتم وأن الأب ظل مصراً على رأيه فلا أقل من أن تأخذ المخطوبة وصفاً كاملاً ودقيقاً للمتقدم كما يأخذ هو ذلك عن طريق أمه أو خالته أو عمته من النساء اللاتي ذهبن يخطبن هذه المرأة له، وهنا يباح من الأمور في الوصف ما لا يباح في غيره، هنا موضوع زواج وموضوع ارتباط بين شخصين، لا بد أن يكون هناك بينة قبل الإقدام عليه، وهذا عمر وهذه معيشة، وزمن طويل.
وهذا حديث يبين كيف كانت استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قضايا التزويج، كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيمٌ لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار: زوجني ابنتك، فقال: نعم يا رسول الله! وكرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعم عينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لست أريدها لنفسي، قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: لـ جليبيب وجليبيب رجل من الصحابة لكنه لم يكن غنياً، ولا وجيهاً، فقال الرجل: يا رسول الله! أشاور أمها، وهذا يعني أن الأم لها رأي في الموضوع، فأتى الرجل لزوجته الأم، فأتى أمها فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، فقالت: نعم، ونعمت عينه، فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها لـ جليبيب، فقالت: أجليبيب؟! لا لعمر الله لا نزوجه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها، قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها، قالت: أتردون على رسول الله أمره؟! ادفعوني فإنه لن يضيعني، فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره قال: شأنك بها.
فزوجها جليبيباً، ثم خرج جليبيب رضي الله عنه في غزوة فاستشهد، فكانت هذه المرأة من النساء الخيرات اللاتي عرف عنها الخير قبل زواجها وبعد زواجها، وهذا الحديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند.
والشاهد هو قبول إشارة الرجل الطيب الخبير الصالح بالرجل المناسب للزوجة، هذا مما يوفر كثيراً من العناء، ولا بد للفتاة -عندما يتقدم إليها رجل- من أمرين: الاستشارة والاستخارة، والاستشارة هي مرحلة قبل الاستخارة، فإن معرفة المرأة للرأي ومعرفة ماذا يقول الناس الثقات في أمرها وأمر المتقدم إليها تساعد كثيراً في توضيح الرؤيا وفي اتخاذ القرار، ثم تكون الاستخارة في اللجوء إلى الله عز وجل.
بعض النساء تقول: هل أصلي صلاة الاستخارة مرة واحدة فقط أم أستطيع أن أصلي أكثر من مرة؟ فنقول: ذكر أهل العلم أنك تستطيعين أن تصلي أكثر من مرة صلاة الاستخارة حتى يحصل الارتياح أما ما يقوم به بعض الناس أو بعض الفتيات من أن تستخير لأختها أو البنت تستخير لأمها فلا أصل له في السنة، والاستخارة تكون من المرأة صاحبة الأمر، لا يستخير أحد عن أحد، وإنما يقوم بالاستخارة الرجل أو المرأة صاحبة الشأن: (إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة) الحديث.